مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي


خطاب الكراهية عبر الشبكات الالكترونية

د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a


09/09/2023 القراءات: 1881  


لقد أحدثت التطورات التكنولوجية الحديثة في العصر الحديث فعلا ثورة حقيقية كبيرة في عالم الاتصال وتقنية المعلومات ولعل أبرز أوجه تكنولوجيا الاتصالات الجديدة تتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي التي تنقل الأفكار والتجارب وتبادل الخبرات والمعارف بين الأفراد والجماعات بتفاعل إيجابي وسلبي بواسطة رسائل تتم بين مرسل ومتلقي فهي جوهر العلاقات الإنسانية ومحقق تطورها والركيزة الأساسية للإعلام الجديد أو البديل التي تتيح للإفراد والجماعات التواصل فيما بينهم عبرهذا الفضاء الافتراضي وقد كثرت هذه الوسائل الالكترونية حتى أصبح من العسير حصرها كماأصبحت هذه الوسائل تحتل مساحة زمنية واسعة وكبيرة في الحياة اليومية فقربت المسافات وسهلت وسائل التواصل الاجتماعي بين المجتمعات والشعوب فجعلت العالم كأنه يعيش في قرية واحدة إلا أن هذا التطور في هذه الوسائل واكبه بالمقابل استخدام سيئ لهامن قبل البعض فأصبحت تستغل في توجيه خطابات الكراهية وتحريض الآخرين بنشر الرسائل الالكترونية والمقاطع المرئية والصوتية التي تتضمن التحريض على الازدراء والاحتقار والسخرية والاستهزاء بطائفة من الناس وعلى كراهيتهم وانتقاصهم والتنمر عليهم ممايؤدي إلى إثارة الفتنة والتفرقة في المجتمع وإشعال الحروب الأهلية وشق صف الوحدة الوطنية
لهذا تهدف هذه القراءة على التعرف على مستجدات هذا العالم الافتراضي وبيان ماهية هذه الخطابات من عمليات تشويه الحقائق أو تكذيبها وعدم القبول بالاختلاف مع الأخرين فهي خطابات تثير حالة الهجاء للأخر فيشمل كل كلام يثير مشاعر الكُره نحو مكون أو أكثر من مكونات المجتمع وينادي ضمناًبإقصاء أفراده بالطرد أوالإفناء أوبتقليص الحقوق ومعاملتهم كمواطنين من درجة أقل فالكراهية تكمن في انها شعور داخلي يرفض الآخر وهو الانحياز التحزبي إلى شيء من الأشياء فكرة أو مبدأ أو معتقد أو شخص إما معه أوضده وبهذا فالكراهية والعداوة تتضمن حالات ذهنية تتسم بانفعالات حادة وغير عقلانية من العداء والمقت والاحتقار تجاه المجموعة
لذا فقد نهى الإسلام عنها فحرم التفرقة والتشرذم والتنازع وبين عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع والأمة بأسرها وأمر بالاعتصام بحبله تعالى ووحدة الصف فقال(والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثمامبينا)الاحزاب/58وهذه الآية نظير الآية(ومن يكسب خطيئة اواثما ثم يرم به بريئافقد احتمل بهتاناواثما مبينا)النساء/112وقال(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ)الحجرات/11كما قال عليه الصلاة والسلام"لاتحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولاتدابروا وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لايظلمه ولايخذله ولايحقره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"رواه مسلم
وقد لانجد نصاً شرعيا بعينه يجرم هذه الخطابات المحرضة للكراهية وازدراء وكُره طائفة من الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي غير أن قواعد الشريعة الإسلامية تتسع لاستيعابها والأخذ بها فهناك عدد من الأدلة التي يمكن الاستدلال بها على عدم مشروعيتها كقوله صلى الله عليه وسلم"اياكم وسوء البين فانها الحالقة"رواه الترمذي وقال"ومعنى قوله وسوء ذات البين انما يعني العداوة والبغضاء وقوله الحالقة يقول انها تحلق الدين"وقال عليه الصلاة والسلام"ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟قالوا:بلى قال"إصلاح ذات البين وفساد ذات البين الحالقة"رواه ابو داود
ولا شك أن انتشار خطاب الكراهية وإزدراء الناس سيؤدي بالمحصلة إلى العنف والتمييز العنصري ويعرض السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي للخطر والاعتداء على المصالح العليا للمجتمع وأبرزها مصلحة الحفاظ على السلم الاجتماعي كونها تتعارض مباشرة مع القيم الايجابية التي يقوم عليهاالمجتمع المدني مثل قيم التسامح والمساواة وحرية الاعتقاد والتعبير فيهدف خطاب الكراهية بالتالي الى تجريد الفرقة او الشريحة الاجتماعية المستهدفة من حقوقها الاساسية كونها بحسب اعتقاد الجاني الشخصي غير جديرة بهذه الحقوق ومن ثم فأن الاعتداء عليها يكون مبرراً بذرائع شتى دينية كانت ام عرقية ام ايديولوجية الى غيرها من المبررات التي تختلف باختلاف الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لكل مجتمع ونتيجة لذلك تكمن خطورة هذه الخطابات في انها تحرك الغرائز البدائية لدى الفرد ولعل اخطرها غريزة العدوان التي تتصل مباشرة بالانفعال السلبي الهدام وهو انفعال الكراهية فقد ثبت من خلال الدراسات المتخصصة وجود علاقة طردية وارتباط ايجابي بين الكراهية والتعصب وصولا الى العنف الجمعي الذي هو أخطر صور العنف الذي يستند الى قاعدة من الرضا او التسهيل الاجتماعي للمجرمين الذين تتحقق لديهم استجابة فعلية للكراهية المقترنة بالتبريرات الزائفة للتحريض على كراهية طائفة من الناس وربما إلى تصفيتهم بسبب مذهبهم أو مناطقهم أو الاختلاف في التوجه السياسي ووصفهم بأوصاف سيئة كالخيانة للوطن والارتزاق والنفاق والكفر..الخ والذي حتما يعمل على بث روح الفتنة والشقاق في المجتمع والاقتتال الداخلي ولايدركون مخاطر أفعالهم الجنائية ومدى مسؤوليتهم الجنائية إذا تحققت دعواتهم
واخيرا نسجل دعوتنا الى ضرورة ايجاد نص قانوني يجرم هذه الافعال ويعاقب مرتكب هذه الجريمة إذا استخدم فيها الوسائل الإلكترونية اذ أنه لم يصدر حتى الآن تشريع خاص لمكافحة جرائم تقنية المعلومات حيث أن هذا النوع من الجرائم المستحدثة ذات طابع خاص قد لاتكفي القواعد القانونية العامة لمكافحتها سواء في جانب العقوبات أوفي الجانب الإجرائي للتحقيق في إثباتها مع ضرورة التعاون الدولي في مكافحتها لما لخطاب الكراهية من أثر سلبي كبيرعلى المجتمعات والدول في آنٍ واحد وهذا مانشاهده ونسمعه في العديد من دول المنطقة والتي تحرض على الطائفية الدينية والاقليمية مماجعل هذه الدول تشتعل حروبا وقتالا بين ابناءالوطن الواحد خدمة لأعداء الامة كماهو الحال في العراق وسوريا وليبيا واليمن واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين


خطاب الكراهية الشبكات الالكترونية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع