مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


✍️{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ}(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


31/12/2022 القراءات: 419  


الموعظة الحسنة: وهي المرحلة الثانية في الدعوة، ولا بد أن يقوم بها كل داعية يحترم نفسه ودعوته، ويريد إيجاد الأهداف العملية الواقعية. والموعظة هي التذكير بالخير فيما يرق له القلب. يعني أن يخاطب قلب المدعو بما رقَّ ولَطُفَ وحَسُن، يعني أن يوصل المعلومات التي ألقاها في عقل المدعو إلى قلبه، يعني أن يشارك قلبُ المدعو عقلَه الاقتناعَ والرضا والقبول للدعوة. فإذا تمت هذه المشاركة، أثَّر القلب على باقي الكيان، فقام المدعو بخطوة عملية خارجية وهي أن يدخل في الدعوة ويلتزم بها.
قال الزمخشري في تفسير الآية: {اُدْعُ إِلى سَبيلِ رَبِّك} -أي الإسلام- {بالحكمة} بالمقالة المحكمة الصحيحة، وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة.
والموعظة الحسنة: وهي التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم فيها، وتقصد ما ينفعهم فيها.
ويجوز أن يريد القرآن: أي اُدعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظة حسنة. وجادلهمْ بالتي هي أحسن: بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة، من الرفق واللين من غير فظاظةٍ ولا تعنيف.
وسائل الدعوة إلى الله في هذه الآية اثنتان فقط: الحكمة والموعظة الحسنة. أما الجدال بالتي هي أحسن فليس من وسائل الدعوة، ولا يقصد منه عرض الدعوة على الذي يجادله، غاية الجدال هي إقناع المعاندين بترك العناد، وبالبحث العلمي المنهجي، والهدف منه هو أن يزحزح هؤلاء عن مواقعهم عن طريق الجدال، لينتقلوا بعد ذلك إلى موقعٍ آخر، يكونون قريبين فيه من الدعوة، مستعدين لقبولها. عندها يستخدم معهم وسيلتي الدعوة: الحكمة والموعظة الحسنة، ليحقق الغاية، ويلتزموا بالدعوة. فالجدال إنما هو تقريبٌ للخصوم إلى باب الدعوة، وليس عرضها عليهم.
نأخذ هذا من صياغة الآية: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
فالموعظة معطوفةٌ على الحكمة، وهما متعلقتان بفعل الأمر " أُدْعُ " وباء الاستعانة. أما "جادلهم" فإنها معطوفة على " ادع " - لأنهما فعلا أمر. أي اُدع وجادل. ولو كان الجدال من أساليب الدعوة لقال: ادع بالحكمة والموعظة والمجادلة بالتي هي أحسن.
وفي هذا يقول الإمام الرازي: ومن لطائف هذه الآية أنه قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، فقصر الدعوة على هذين
القسمين. لأن الدعوة إن كانت بالدلائل القطعية فهي الحكمة، وإن كانت بالدلائل الظنية فهي الموعظة الحسنة. أما الجدال فليس من باب الدعوة، بل المقصود منه غرضٌ آخر، مغايرٌ للدعوة، وهو الإلزام والإفحام. فلهذا السبب لم يقل: اُدْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل الأحسن، بل قطع الجدل عن باب الدعوة، تنبيهاً على أنه لا يُحصِّل الدعوة، وإنما الغرض منه شيء آخر. والله أعلم.
***


✍️{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ}(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع