مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
{إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
08/01/2023 القراءات: 539
{إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
قال تعالى:
{إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}.
الحقيقة التي تقررها هذه الآية أن العلماء هم أقرب الناس إلى الله، وأكثر الناس خشية لله، لأن علمَهم عرّفهم بربهم، ومعرفتهم بربهم ملأت قلوبهم خشية له، وتعظيماً لمقامه، وطلباً لمرضاته، ورغبةً في طاعته.
والعلماء الذين تُثني عليهم الآية هم العلماء المؤمنون الصالحون العابدون لله، الذين يزيدهم علمهم طاعةً وعبادةً، وابتعاداً عن المعاصي والفواحش.
لكننا نرى بعضهم في هذا الزمان يعمم الآية على جميع العلماء، ويُدخل فيها علماء العلوم المادية البحتة من الشرقيين والغربيين، مثل علماء الطب والهندسة والفلك والاختراعات والذرّة، وعلماء النفس والمجتمع والحياة، فيجعل الآية تثني على هؤلاء المتخصصين بهذه المجالات، وتمدحهم، وتجعلهم أكثر الناس خشية لله. ولو كان العالم منهم كافراً باللهِ، مشركاً به، ولو كان منغمساً في الشهوات، مسرفاً في الملذات، مقبلاً على المعاصي، ولو كان يستخدم علمه في نشر الشر والفساد والرذيلة، واكتشاف ما يضر بالبشرية، ويوقعها في الهلاك والدمار.
وهذا خطأٌ بيّن، وتلاعبٌ من هؤلاء بمعاني آيات القرآن، وتغييرٌ لمفاهيمها.
إن الآية تتحدث عن العلماء المؤمنين الخاشعين الصالحين العابدين، وهذا هو سياقها الذي وردت فيه.
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}.
العلماء الذين يخشون الله، هم: {الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً}، كما حددت الآية.
هذا ما فهمه المفسرون منها، قال الإمام الزمخشري في تفسيرها: " المراد العلماء به، الذين عرفوه بصفاته وعدله وتوحيده، وما يجوز عليه وما لا يجوز، فعظَّموه وقدَّروه حق قدره، وخشوه حق خشيته. ومن ازداد به علماً ازداد منه خوفاً، ومن كان علمه به أقلّ كان آمن ".
ومن أعاجيب الأغاليط في هذا المقام أن بعضهم يقول: {إنّما يخشى اللهُ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءَ}، فيجعل الله هو الذي يخشى العلماء، ويحسب لهم حساباً، ويحذر منهم -سبحانه. وقائل هذا متفقٌ مع الأساطير اليونانية الوثنية، حول الصراع المَرير بين الآلهة والإنسان، وخشيتها له، وخوفها منه- كما في أسطورة " برومثيوس " مثلاً.
بعد هذا التصحيح والتصويب نقرر: أن الأصل في العلماء -على اختلاف تخصصاتهم العلمية والحياتية والإنسانية- أن يكونوا أكثر الناس خشيةً لله، وأشدهم له حباً، وأحرصهم على طاعته ومرضاته.
وإن العلم -مهما كان نوعه ومجاله- إذا طلبه صاحبه بتجرد وموضوعية، يقوده إلى ربه، ويدعوه للإيمان به، ويحضه على عبادته، ويزيده من خشيته. وما من عالم طلب العلم بهذه المواصفات، وتفاعل معه بقلبه وروحه وكيانه، إلا وقد ازداد إيماناً بربه، وخشيةً له، والتزاماً لأوامره.
العلم يدعو للإيمان والخشية، فإذا لم يحقق أصحابه هذا في حياتهم فهم المقصرون.
***
{إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع