مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


27/04/2023 القراءات: 344  


سلسلة أمهات المؤمنين
رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها


كانت ولادة رملة في العام الخامس والعشرين قبل الهجرة، أي قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم باثنتي عشرة سنة. ووالدها أبو سفيان، صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس.
نشأت رملة نشأة بنات الأشراف من العرب، على الترف والعز والرفاهية، والتضلع في الأدب وحفظ الشعر، والمأثور من القول والحكمة.
ولقد جمعت إلى رفعة النسب والحسب، الغنى الوافر والجمال الباهر، فكانت محط الأنظار، ومجال الافتخار… فودّ أكثر شباب قريش أن يتخذها زوجة له، فتنافسوا عليها، حتى تطاحنوا في سبيل ذلك. فقد كانت مكانة والدها في بني عبد شمس وزعامته الحربية في قريش ذات أثر كبير في تلك الرغبة التي استحوذت على الشبان وتملكتهم… وحفزتهم إلى طلب هذا الشرف والسؤدد.
غير أن رملة الشابة الناضجة المتعلمة كانت تتريث في الاختيار والموافقة وتتأنى، وكذلك كان والدها أبو سفيان الذي آثر أن يشاركها في طول الأناة، سعياً وراء الكفاءة والتماثل الاجتماعي، بين الخاطب وخطيبته.
زواجها
جاءها عبيد الله بن جحش خاطباً، وكان شاباً مرموقاً يتمتع بالوسامة، والجاه العريض، والحسب الرفيع، وأصالة النسب، فقد كانت دور بني جحش حياً من أحياء مكة له حرمته وله مكانته وتقديره واحترامه. أضف إلى ذلك تضلع عبيد الله الخاطب في علوم الديانات وأصولها، إذ كان ملازماً لورقة بن نوفل الذي كان قاب قوسين أو أدنى من التنصر، والذي كان من متحنفي الجاهلية…، راغباً عن عبادة الأصنام والأوثان، كارهاً لها، مستخفاً بأصحابها، والعاكفين عليها.
فقبل أبو سفيان بعبيد الله زوجاً لابنته الحبيبة رملة.
في بيت الزوجية
كانت رملة فتاة قرشية مكية، ناضجة العقل، واضحة الفكر، عاقلة مدركة، على قسط وافر من العلم والمعرفة تقرأ وتكتب، وكان ذلك قلة في الرجال فكيف بالنساء؟
فكانت مع زوجها عبيد الله على خير ما يكون الزوجان، تفاهماً وتقارباً ومحبة. إن عرض أمر من الأمور، أو وقع حادث من الأحداث الجسام، أبدت رملة فيه رأياً ناضجاً، وحكماً صائباً، يوافقها عليه عبيد الله، وكذلك كان شأنه معها.
ومضت بهما سفينة الأيام تمخر بحر الزمن وعبابه… حتى كانت نبوة سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ومبعثه…
المهاجران إلى الحبشة
أسلم عبيد الله ثم هاجر إلى الحبشة ومعه زوجته رملة، في جملة من هاجر من المسلمين، وكان يكنى بأبي أحمد، وكانت رملة قد حملت فوضعت بنتاً أسمتها حبيبة، ومن ثم عرفت بأم حبيبة. وما كادت قدم عبيد الله بن جحش تطأ أرض الحبشة عتى عاوده حنينه إلى الماضي، وهو ميله إلى النصرانية…
وحدث أن استيقظت أم حبيبة ذات يوم على رؤيا مزعجة مرعبة، فقد رأت في منامها زوجها عبيد الله بوجه غير وجهه الحقيقي… رأته دميماً بعد أن كان وسيماً، وقبيحاً منكراً بعد أن كان جميلاً محبباً، فاستعاذت بالله من ذلك.
وبينا هي في شؤونها الخاصة منشغلة منهمكة، أتاها عبيد الله معلناً نصرانيته، داعياً إياها إلى متابعته ومشاركته… فأبت ورفضت، واستكبرت فعلته… ولاذت بإيمانها… ثم أدركت مغزى الحلم الذي رأته ليلتها، ورجعت بها الذاكرة إلى تفاصيله ودقائقه.
وحدثت زوجها عبيد الله بذلك، في محاولة لصرفه عن ردته، كما دعته إلى الإيمان والثبات على الإسلام، فرفض… وأصر على الرفض، وخرج من بيته إلى جماعة المسلمين المهاجرين ليعلن ذلك على مسامعهم، ويقول لهم: لقد فقنا وصأصأتم (فقنا: أصابتنا فاقة وهو العوز الشديد، صأصأتم: مص الأصابع بعد الطعام، وهي دلالة على الترف)… ثم انكب على الخمر التي طال شوقه إليها يعب منها حتى الثمالة. واستمر على ذلك أياماً طوالاً، حتى كبد، والتهبت أمعاؤه، فقضى نحبه كافراً، مطروداً من رحمة الله.
وكان ذلك بالنسبة إلى أم حبيبة مأساة وفاجعة!!
الأرملة
قضت رملة أيامها في دار الهجرة بين عذابين: عذاب البعد عن الوطن والأهل والعشيرة، وعذاب الترمل بفقد الزوج المعيل، والذي ارتد بعد إسلام، وكفر بعد إيمان، وانغمس في حمأة الجاهلية، بكل شرورها وآثامها.
لقد تكأكأت على أم حبيبة ألوان شتى من المتاعب والمصاعب والهموم…
ولكنها رضي الله عنها بما أوتيت من إيمان عظيم، وقلب كبير، وعقل راجح، استطاعت أن تصمد في وجه المحنة، كما لقيت من إخوانها المسلمين المهاجرين كل عون وسند، ورعاية وحنان، فتعوضت عما هي فيه من العنت وعذاب النفس والقلق، فكانت أيام هجرتها إلى الحبشة التي امتدت سنوات عدة من أصعب وأشد فترات حياتها، وسني عمرها، قسوة ووحشة وجفوة.
وذلك كله ولا شك ابتلاء من الله تعالى وامتحان لإيمانها، وصدق يقينها، فإن هي صمدت وصبرت نالت الجزاء الأوفى. ولقد كان جزاؤها رضي الله عنها أحسن الجزاء وأكرمه.
خِطبة كريمة
عندما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله وكتبه إلى الملوك والحكام في أنحاء الأرض يدعوهم إلى الإسلام، بعد عهد الحديبية، وينذرهم بسوء المصير إن هم أصروا على الكفر والشرك، ويحملهم تبعة ومسؤولية شعوبهم… لم ينس الرسول العظيم في رسالته إلى النجاشي ملك الحبشة أن يذكر رملة بخير…
وأي خير أعظم من أن يخطبها لنفسه، مواسياً لها في غربتها وكربتها، معزياً لها في ترملها، فقد حمل عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدعوه فيه إلى الإسلام، وقد ضمنه طلباً كريماً، هو أن يخطب له النجاشي رملة بنت أبي سفيان.
وقبل النجاشي مهمة الخاطب، وأرسل إلى رملة إحدى جواريه تحمل لها النبأ السعيد، فصاحت فيها رملة قائلة: بشرك الله خيراً، ثم وكلت عنها خالد بن سعيد بن العاص لإتمام مراسم العقد،


سلسلة أمهات المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع