مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


30/06/2023 القراءات: 246  


قال المازني: قلت لابن قادم ولابن سعد، لما كابرني: كيف تقول نفقتك دينارا أصلح من درهم؟ فقال: دينارا قلت: كيف تقول: ضربك زيدا خير لك؟ فنصب، قلت: فرق بينهما فانقطع، وكان ذلك عند الواثق وحضر ابن السكيت فقال لي الواثق: هات مسألة فقلت ليعقوب: {فأرسل معنا أخانا نكتل} [يوسف: 63] .
ما وزنه من الفعل؟ قال: نفعل، قال الواثق: غلطت، ثم قال لي: فسره، فقلت: نكتل تقديره نفتعل نكتيل فانقلبت الياء ألفا لفتح ما قبلها، فصار لفظها نكتال، فأسكنت اللام للجزم لأنه جواب الأمر، وحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فقال: هذا هو الجواب، فلما خرجنا عاتبني يعقوب، فقلت: والله ما قصدت تخطئتك ولكن كانت في نفسي هينة الجواب، ولم أظن أنها تعزب عليك.
قال: وحضر يوما آخر واجتمع جماعة نحويي الكوفة فقال لي الواثق: يا مازني، هات مسألة فقلت: ما تقولون في قول الله تعالى {وما كانت أمك بغيا} [مريم: 28]
ولم يقل: بغية وهي صفة لمؤنث فأجابوا بجوابات ليست مرضية، فقال لي الواثق: هات الجواب، فقلت: لو كانت بغي على تقدير فعيل بمعنى فاعلة لحقتها الهاء إذا لكانت مفعولة بمعنى: امرأة قتيل وكف خضيب، وتقدير بغي ههنا ليس بفعيل إنما هو فعول، وفعول لا تلحقه الهاء في وصف التأنيث نحو امرأة سكون وبئر شطون إذا كانت بعيدة الرشاء، وتقدير بغي بغوي قلبت الواو ياء ثم أدغمت الياء في الياء نحو سيد وميت، فاستحسن الجواب ثم استأذنته في الخروج فقال: ألا أقمت عندنا: فقلت يا أمير المؤمنين إن لي بنية أشفق أغيب عنها قال: كأني بها قد قالت ما قالت ابنة الأعشى للأعشى:
أرانا إذا أضمرتك البلاد ... نجفى وتقطع منا الرحم
وقلت أنت:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ... يوما فإن بجنب المرء مضطجعا
فوالله ما أخطأ ما في نفسي، فأمر لي بجائزة وأذن لي في الانصراف.
قال أبو جعفر النحاس: وفر أبو عمرو بن العلاء من الحجاج قال: فبينما أنا أسير إذ سمعت رجلا ينشد:
ربما تجزع النفوس من الأمر ... له فرجة كحل العقال
قد مات الحجاج فلم أدر بأيهما كنت أشد فرحا؟ أبموت الحجاج أو قوله: فرجة قال أبو جعفر وعبيد الله بن إسحاق أحد القراء والنحويين: كان ممتنع الجانب قليل الغشيان للسلطان حتى ذكره الفرزدق وعيره الكبر وهجاه.
قال أبو جعفر ومن النحويين من سارع إلى السلاطين ولم يحمد العاقبة، منهم سيبويه وابن السكيت كما حدثنا علي بن سليمان حدثنا أحمد بن يحيى ومحمد بن يزيد، قالا لما ورد سيبويه إلى العراق شق أمره على
الكسائي، فأتى جعفر بن يحيى والفضل بن يحيى فقال: أنا وليكما وصاحبكما، وهذا الرجل قد قدم ليذهب محلي، قالا فاحتمل لنفسك فسنجمع بينكما، فجمعا عند البرامكة وحضر سيبويه وحده، وحضر الكسائي ومعه الفراء وعلي الأحمر وغيرهما من أصحابه، فسألوه كيف تقول: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو هي أو هو إياها؟
فقال: أقول: فإذا هو هي، فقال له: أخطأت ولحنت، فقال يحيى: هذا موضع مشكل فمن يحكم بينكم؟ قالوا: هؤلاء الأعراب بالباب، فأدخل أبو الجراح وجماعة معه فسئلوا فقالوا نقول: فإذا هو إياها فانصرم المجلس على أن سيبويه قد أخطأ وحكم عليه، فأعطاه البرامكة وأخذ له من الرشيد وبعث به إلى بلدة فيقال: إنه ما لبث إلا يسيرا ثم مات كمدا قال علي بن سليمان: وأصحاب سيبويه إلى هذه الغاية لا اختلاف بينهم أن الجواب على ما قال سيبويه، وهو فإذا هو هي وهذا موضع الرفع.
قال أبو جعفر: وأما ابن السكيت فحدثني محمد بن الحسين بن الحسن حدثني عبد الله بن عبد العزيز النحوي قال قال لي يعقوب بن السكيت: أريد أشاورك في شيء قلت: قل قال: إن المتوكل قد أدناني وقربني وندبني إلى منادمته فما ترى؟ قلت: لا تفعل وكرهت له النهاية، فدافع به يعقوب ثم تطلعت نفسه إليه فشاورني، فقلت: يا أخي أحذرك على نفسك، فإنه سلطان وأكره أن تزل بشيء، فحمله حب ذلك على أن خالفني فقتله في أول مرة لشيء جرى بينه وبينه في أمر الحسن والحسين - عليهما الصلاة والسلام -، وكان أوله مزاحا وكان ابن السكيت يتشيع فقتله.


تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع