مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


[الأصل الثالث موافقة القول العمل]

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


02/05/2023 القراءات: 336  


[الأصل الثالث موافقة القول العمل]
[الحث على موافقة القول العمل والتحذير من مخالفة ذلك]
الأصل الثالث: موافقة القول العمل يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ - كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 - 3]
سبق الحديث قريِبًا عن الصدق كمظهر أخلاقي في المسلم بصفة عامة وفي القدوة بصفة خاصة.
ولعلك أدركت أن الصدق ليس لفظة تخرج من اللسان
فحسب، ولكنه صدق في اللهجة واستقامة في المسلك. الباطن فيه كالظاهر والقول فيه صنو العمل.
هذا جانب وجانب آخر أن الناس والنفوس مجبولة على عدم الانتفاع بمن علمت أنه يقول ولا يعمل، أو يعلم ثم لا يعمل ولهذا قال شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]
يقول أبو الدرداء - رضي الله عنه- " لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتًا ".
وجانب ثالث وهو ما أشرنا إليه في مبحث أهمية القدوة منِ أن كثيرًا من الناس لا يتوجه نحو العمل حتى يرى واقعًا ماثلًا وأنموذجًا مطبقًا يتخذه أسوة ويدرك به أن هذا المطلوب أمر في مقدور كل أحد.
بل متى يكون المرء قدوة صالحة وأسوة حسنة ما لم يسابق إلى فعل ما يأمر به من خير وترك ما ينهى عنه من سوء؟! وقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما- أن
النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه- يعني أمعاءه- في النار فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه» .
وقد قيل:
وغيرُ تقي يأمرُ الناسَ بالتُقَى ... طبيبٌ يداوي الناسَ وهو عليلُ
وهنا مسألة هامة يحسن التنبيه إليها في هذا المقام وهو أن المسلم، حتى ولو كان قدوة مترقيًا في مدارج الكمال قد يغلبه هوى أو شهوة أو تدفعه نفس أمارة بالسوء أو ينزغه الشيطان، فتصدر منه زلة أو يحصل منه تقصير.
فإذا حدث ذلك فليبادر بالتوبة والرجوع وليُعْلم أن هذا ليس بمانع من التأسي به والاقتداء، فالضعف البشري غالب والكمال لله وحده ولا معصوم إلا من عصم الله.
وقد حدث مالك عن ربيعة قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى
لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء ".
وقد قال الحسن البصري لمطرف بن عبد الله بن الشَخير: يا مطرف عظ أصحابك. فقال مطرف: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل- فقال الحسن: يرحمك الله وأينا يفعل ما يقول؟ ؟ لود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم فلمِ يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
وقال الحسن أيضًا: أيها الناس إني أعظكم ولست بخيركم ولا أصلحكم وإني لكثير الإِسراف على نفسي غير محكم لها ولا حاملها على الواجب في طاعة ربها، ولو كان المؤمِن لا يعظ أخاه إلا بعد إحكام أمر نفسه لعُدم الواعظون، وقلَّ المذكرون ولما وُجِد من يدعو إلى الله جل ثناؤه ويرغَب في طاعته وينهى عن معصيته، ولكن في اجتماع أهل البصائر ومذاكرة المؤمنين بعضهم بعضًا حياة لقلوب المتقين، وإذكار من الغفلة، وأمن من النسيان، فألزموا - عافاكم الله- مجالس الذكر، فرب كلمة مسموعةٌ ومحتقرٍ نافعٌ.
ومن لطائف الفقه عند أهل العلم رحمهم الله ما ذكروا في تفسير قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] .
فالمعنى أن الله ذم بني إسرائيل على هذا الصنيع حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له بل الذم على الترك وحده وليس على الأمر، فإن الأمر بالمعروف مطلوب من العامل ومن المقصر ويتأكد هذا المعنى من الآية الثانية في قوله سبحانه: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79]
فالله ذمهم ولعنهم ليس على فعلهم المنكر فحسب بل على تركهم التناهي عنه، فالمقصر عليه واجبان: الأول: الكف عن التقصير والثاني: دعوة المقصرين إلى ترك التقصير. وهو فقه دقيق ينبغي أن ينتبه له الدعاة والمربون وكفى بربك هاديًا ونصيرًا.


[الأصل الثالث موافقة القول العمل]


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع