مدونة الدكتور محمد محمود كالو


مَتَى (لَوْ) تَفتحُ عَمَلَ الشَّيطانِ؟ (1)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


20/01/2024 القراءات: 172  


مَتَى (لَوْ) تَفتحُ عَمَلَ الشَّيطانِ؟
من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم:
• لَوْ كنتُ راجمًا أحدًا بغيرِ بيِّنةٍ لرجمتُها، في حديث المتلاعِنَينِ [رواه البخاري ومسلم].
• لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ. كَالْمُنَكِّلِ بهِمْ حِينَ أبَوْا أنْ يَنْتَهُوا عَنِ الوِصَالِ [رواه البخاري].
• لَوْ استَقبلتُ مِن أمري ما استَدبرتُ لفعلتُ كما فعلتُمْ، ولَكِنِّي سقتُ الهديَ، وقرَنتُ
[رواه النسائي].
• لَوْ تَفتحُ عَمَلَ الشَّيطانِ [رواه مسلم].
يظن بعض الناس أن (لَوْ) يمنع قولها دائماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَوْ تَفتحُ عَمَلَ الشَّيطانِ) لكن (لَوْ) تأتي لعدة معان ولا يمنع قولها دائماً، فقد بوَّب الإمام البخاري على جوازها في بعض المواضع وذكر عدة أحاديث في ذلك، وأما النهي الثابت في حديث مسلم: (فلا تقلْ: لَوْ أنِّي فَعلتُ لَكانَ كذا وكذا، ولكن قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعلَ، فإنَّ لَوْ تَفتحُ عَمَلَ الشَّيطانِ) فمحمول على استعمالها في التلهُّف على أمور الدنيا، أو الاعتراض على القدر.
إن استعمال (لَوْ) للتمني، وحكم استعماله تابع لنوع التمني، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، فيجوز تمني حفظ القرآن، وغيره من أعمال الخير، ويحرم تمني أفعال الشر. وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:
) إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ عبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا وعلمًا فَهوَ يتَّقي ربَّهُ فيهِ ويصلُ فيهِ رحمَهُ ويعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فَهذا بأفضلِ المنازلِ وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ علمًا ولم يرزقْهُ مالًا فَهوَ صادقُ النِّيَّةِ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فأجرُهما سواءٌ وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا ولم يرزقْهُ علمًا يخبطُ في مالِهِ بغيرِ علمٍ لا يتَّقي فيهِ ربَّهُ ولا يصِلُ فيهِ رحمَهُ ولا يعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فهو بأخبَثِ المنازلِ وعبدٍ لم يرزقْهُ اللَّهُ مالًا ولا علمًا فَهوَ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ فيهِ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فوزرُهما سواءٌ) [رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه وأحمد].
وقد تستعمل (لَوْ) في غير التمني، فيحرم استعمالها في الاعتراض على الشرع، كقول الله تعالى حكاية عن المنافقين: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168].
وتحرم استعمال (لَوْ) في الاعتراض على القدر أيضاً، كقول الله تعالى حكاية عن الكفار: {لوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ} [آل عمران: 156].
كما يحرم قول (لَوْ) في الاحتجاج بالقدر على المعصية، كقول الله تعالى حكاية عن المشركين: {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148]، وقولهم: {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم} [الزخرف: 20].
ويجوز قول (لَوْ) في الخبر المحض، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابِهِ: (لَوِ استَقبلتُ مِن أمري ما استَدبرتُ لفعلتُ كما فعلتُمْ، ولَكِنِّي سقتُ الهَدْيَ، وقرَنتُ) [متفق عليه].
ومن استعمالات (لَوْ) الجائزة ما ذكر القاضي عياض حين قال:
"اعْلَم أَن (لَوْ) تَأتي ‌غَالِباً ‌فِي ‌كَلَام ‌الْعَرَب ‌لِامْتِنَاع ‌الشَّيْء لِامْتِنَاع غَيره، كَقَوْلِه" لَو كنتُ راجماً بِغَيْر بَيِّنَة رجمتها، وَلَو تَأَخّر لزدتكم، وَلَو اسْتقْبلتُ من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرتُ مَا سقتُ الْهدي ولحللت، وَقد تَأتي بِمَعْنى (أَن) كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَو أَعجبتكُم}، وَعَلِيهِ يتَأَوَّل الحَدِيث: لَو كنت تُرِيدُ أَن تصيب السّنة فأقصر الْخطْبَة، وَتَأْتِي للتقليل كَقَوْلِه: وَلَو بشق تَمْرَة، وَالْتمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد، وَتَأْتِي (لَو) بِمَعْنى هلا كَقَوْلِه: {لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجراً}، قَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ هلا اتَّخذت، وَهَذَا الْتِفَات إِلَى الْمَعْنى لَا إِلَى اللَّفْظ، وَ(لَو) لَيست بِمَعْنى هلا وَإِنَّمَا تِلْكَ (لَوْلَا) وَقَوله: أَن لَو تفتح عمل الشَّيْطَان أَي: أَن قَوْلهَا واعتياد مَعْنَاهَا يظْهر الطعْن على الْقدر، ويفضي بِالْعَبدِ إِلَى ترك الرضى بِمَا أَرَادَهُ الله؛ لِأَن الْقدر إِذا ظهر بِمَا يكره العَبْد قَالَ: لَو فعلتُ كَذَا لم يكن كَذَا، وَقد مر فِي علم الله أَنه لَا يفعل إِلَّا مَا فعل، وَلَا يكون إِلَّا الَّذِي كَانَ".[ مشارق الأنوار على صحاح الآثار: 1/364].
وقال ابن دقيق العيد: "وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ» فِيهِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: ‌جَوَازُ ‌اسْتِعْمَالِ ‌لَفْظَةِ (لَوْ) ‌فِي ‌بَعْضِ ‌الْمَوَاضِعِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَرَدَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ. وَهُوَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا: إنَّ كَرَاهَتَهَا فِي اسْتِعْمَالِهَا فِي التَّلَهُّفِ عَلَى أُمُورِ الدُّنْيَا، إمَّا طَلَبًا كَمَا يُقَالُ: لَوْ فَعَلْتُ كَذَا حَصَلَ لِي كَذَا. وَإِمَّا هَرَبًا كَقَوْلِهِ: لَوْ كَانَ كَذَا لَمَا وَقَعَ لِي كَذَا وَكَذَا. لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ صُورَةِ عَدَمِ التَّوَكُّلِ فِي نِسْبَةِ الْأَفْعَالِ إلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدْرِ، وَأَمَّا إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي تَمَنِّي الْقُرُبَاتِ - كَمَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ - فَلَا كَرَاهَةَ هَذَا أَوْ مَا يَقْرَبُ مِنْهُ. [إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام:2/87].


لو، لولا، عمل الشيطان، التلهف، الدنيا، الاعتراض


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع