مدونة بروفسور دكتور. وائل أحمد خليل صالح الكردي
البيت الطائر.. قصة الغرام السامي (ج 2)
أ.د. وائل أحمد خليل صالح الكردي | Prof.Dr. Wail Ahmed Khalil Salih AlKordi
10/11/2022 القراءات: 1250
وكانت الرسالة وراء ذلك:
أولاً- أن الرجل كان لا يمكن أن يعيش في ذاك المكان بمفرده وحيداً دون وجود حقيقي لشريكة حياته، وهذا من باب أن الإنسان حتماً هو كائن اجتماعي.
ثانياً- أن الأحلام تنتهي بتحققها، فلو بقي الرجل مع بينه أو حتى علم بأنه قد بلغ واستقر في المكان المعلوم لتوقف الحلم ولم يبقى ثمة دافع نفسي نحو ما يمكن للرجل أن يهب له الرغبة في الحياة بالتفاعل معه، فقد كان ذاك الحلم هو الخيط الذي مازال حياً يربطه بزوجته وما يمكن أن يقدمه لها بعد موتها فسيستمر بهذا شاعراً بقيمة حياته. ولذلك فبرحيل البيت بمفرده ودون علم صاحبه بمصيره سيظل دائماً هناك شيء من الحلم قائماً في وجدانه.
ثالثاً- برحيل البيت فإنه يتيح بذلك فرصة للرجل أن يكمل حياته بروح جديدة في بيت جديد غير بيته القديم، وبهذه الروح الجديدة المختلطة بروح وذكرى زوجته الراحلة يمكنه أن يقدم السعادة لمن بجواره من أطفال الحي الذي تمنى هو وهي يوماً في الماضي أن يكون لديهما مثلهم.
رابعاً- لعلنا نحسب دائماً خاطئين أن أقلامنا للكتابة والمقاعد التي نرتاح عليها وأرصفة الطرقات التي نمر بها والمنازل الأسمنتية التي نقطنها إن هي إلا جمادات صماء صرف وأنها لا تحس ولا تشعر ولا تفرح ولا تحزن تماماً كما نفعل نحن، وربما أكثر.. ولكن البيت الطائر يؤكد لنا غير ذلك، فقد فهم البيت العتيق الرسالة وأحس بها، فرحل ولم يستقر إلا على جبل الشلال ليحقق بإيثار بالغ حلم العمر لمن كانوا يعيشون فيه والذي ربما صار مع الوقت والحنين والأشواق حلماً له هو أيضاً..
وليس كل ذاك محض خيال لكاتب دراما، ففي العالم الحقيقي توفي في زمن قريب (أحمد الكردي) وهو في أخريات الثمانين من عمره ولم يكن قد شاهد قط فيلم البيت الطائر وحكاية الغرام السامي تلك.. ولكن بعد أربعين عاماً من العيش الجميل معاً رحلت شريكة عمره (وداد) إلى جنات الخلد بإذن الله، فعاش هو بعدها ذات تلك الروح لصاحب قصة البيت الطائر.. حيث عكف لعقد ونصف من الزمان منذ رحيلها يكلمها بكل شيء شعراً ونثراً ومناجاة بنهار وليل والبكاء سراً والضحكات، هو أيضاً كان قبرها داخله، حتى أتى يومه المكتوب ورقد في قبره الحقيقي إلى جوراها..
كل هذا لنعلم أن الإنسان عندما يكون ذا قلب سليم فهو كائن عظيم مكرم في أخلاقه وعشقه وتفاعله مع كل من وما حوله، فيحبه الله ويباهي به الملائكة عنده.. ولنعلم أن العشق النقي والغرام السامي بين الزوجين ليس ضرباً من خيال وأوهام بل هو إمكان واقع حقاً لدى البشر من أصحاب القلوب السليمة تزدان به الحياة.. وهذا ما ينبغي أن يكون.
(تم)
عاطفة الجماد - القلب السليم
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع