مدونة د. وائل أحمد خليل صالح الكردي


المستويات المنطقية لدلالة الأحلام

د. وائل أحمد خليل صالح الكردي | Dr. Wail Ahmed Khalil Salih AlKordi


02/12/2019 القراءات: 1908  


المستويات المنطقية لدلالة الأحلام

د. وائل أحمد خليل الكردي

بغض النظر عن محاولات تفسير وتأويل رمزية الأحلام وإيجاد مفهوم لها يطمئن به الانسان وتقر عينه ليهنئ بعدها بالعيش والتفاعل مع واقعه .. وبغض النظر عن كل أقوال ومذاهب الفلاسفة المتقدمين والمتأخرين والتحليليين النفسانيين على طريقة (فرويد) و(أدلر) و(يونج) وحتى (الجشتالت) الذين اضطروا إلى الاصطلاح على مجموعة من المصطلحات في ميدان العوالم الرمزية حتى يتم تقريبها إلى الأذهان .. بغض النظر عن كل هذا ومدى صحته أو خطأه، يمكن أن تتم معالجة تفسير وتأويل رمزية الأحلام:
1/ يبدو أن ما يعيشه الإنسان فيما يتجاوز عالم الشهادة المشترك - وهو العالم المرسوم بمصطلح الوعي consciousness لدى علماء النفس- بما يتضمنه من أحلام ورؤى والذي يتم رسمه بمصطلح اللا-وعي unconsciousness هو ليس في الواقع (لا -وعي) ، وانما يمكن أن نجدد الاصطلاح عليه بمصطلح (الوعي اللاارادي أو اللاقصدي) وهو في حال النوم أو الغيبوبة أو ما أسماه الصوفية (بحال المحو) وما شابه ذلك، في مقابل (الوعي الارادي أو القصدي) . إذن، فالحلم والأحوال الرمزية هي حالة من حالات الوعي تماما كما المشاهدات الواقعية الحسية إلا أنها فقط حالة لا إرادية مقصودة وهي من فعل الملكة المعرفية ، وليست هي لا وعي من فعل (عقل باطن) كما وقع في ظن علماء النفس. وذلك على اعتبار ما سيأتي في النقطة التالية.
2/ حدد (البيرت اينشتاين) A. Einsteinفي (النظرية النسبية) أن الكون الذي نعيش فيه ليس هو كون (اسحاق نيوتن) كون المجال الواحد، وانما هو مجالات ومناطق متعددة بصورة لا نهائية، وما جعل هذه المجالات تختلف عن بعضها البعض هو خصوصية الشروط الزمانية-المكانية لكل مجال الأمر الذي تتعدد معه الابعاد الدلالية الوصفية لكل ظواهر هذا الكون.. وبالتالي يصبح ما يشاهده ويدركه الإنسان بالعيان الحسي المباشر هو مستواً دلالي واحد من عدة مستويات تنتاب الظاهرة الواحدة التي نعاينها، فما قد أراه أنا في الظاهرة من زاوية أو بُعد معين ربما يرى فيها غيري شيئاً مختلفاً إذا نظر إليها من زاوية أخرى ،هنا يكون الحكم بالصدق أو الكذب ليس قاطعاً من الزاوية التي أنظر منها بالنسبة إليه، وكذلك الحال بالنسبة لي في حكمه من زاويته .. كل هذا يعني أننا لا ينبغي أن نحكم بحكم مجال معين بحسب شروطه المخصوصة على المجالات الأخرى ذات الشروط المغايرة. وربما لابد أن نعتبر أن لكل مجال المستوى الدلالي الملائم له .
3/ بناء على المقدمات السالفة، تكون النتيجة هي أن حالة الحلم هي حالة معرفية ذات وجود وماهية قائمة بذاتها مثلها في ذلك مثل الحالة الواقعية الحسية المشاهدة، إلا انها بكونها حالة معرفية غير قصدية تنتمي إلى حقل دلالي مغاير للحقل الدلالي الذي للحالة الواقعية. وبالتالي، ربما يكون من غير المناسب أن نستعير في الحكم على عالم الأحلام نفس الآليات والأدوات والقيم المعرفية التي نحكم بها على الواقع الحسي، وإنما يجب أن نحدد لها آلياتها في الحكم.
4/ فائدة أن الحلم هو حالة معرفية ابتداءً وتنتمي للوعي هو ما ينفي عنها صفة (اللغة الخاصة) التي لا يعانيها إلا صاحبها فقط ولا يمكن نقلها إلى الاخرين عبر الوسيط اللغوي المعلوم ،وانما هي حالة يمكن تعبئتها في الوسيط اللغوي بحسب كيفيات الاستخدام ومن ثم جعلها مفهومة إلى الآخرين. وفائدة أن الحلم هو حالة معرفية ولكنها تختص في داخل الوعي بنوع الوعي اللاقصدي أو اللاإرادي، هو ما يحولها إلى سياق دلالي علوي عما هو مشترك بين كافة الناس بنحو السياق الواقعي الحسي، ومعنى ذلك أن الحلم الذي هو خاص بالفرد وليس بالجماعة يكون ممكناً للتداول بين الجماعة لغوياً على مستوى الفهم، ولكنه خاص من ناحية الحكم بمن امتلكه أو وقع له .. وذلك على اعتبار أن الحكم على الظاهرة الجماعية يحتاج إلى معايشة للجماعة التي لديها الظاهرة، والحكم على الظاهرة الفردية يحتاج لمعايشة الفرد وتفاعله الخاص مع الحلم المخصوص به .
5/ هكذا يمكن الانتهاء إلى أن الرمزية في الحلم تتطلب معايشة المشاهد للحلم مع ذاته حتى يحكم على ما يراه في منامه ويدرك موطن الصدق المنطقي والكذب المنطقي في تأويلاته عليه جراء هذه المعايشة وآثارها .. وأما الاخرين من الناس الذين تم نقل صورة الحلم لهم فلهم فقط التوقف عند حيز فهم صورة الحلم وليس لهم أن يتجاوزوا إلى الحكم عليه مع صاحبه في التأويل بصدق منطقي أو كذب منطقي. (استفت قلبك وإن افتاك الناس وافتوك)، فلا نعود نبحث عن تفسير لها في غير ذات الشخص.
وهذا ربما بخلاق الرؤية، تلك التي تأتي كفالق الاصباح ولا تحتاج إلى تأويل لقلة العنصر أو المكون الرمزي فيها. والله تعالى أعلم.


الاحلام ، المستويات الدلالية ، الرؤية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع