مدونة د. محمد سلامة الغنيمي


نشر ثقافة الجودة من أجل تعليم جيد لا تعليب محكم

د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim


24/09/2023 القراءات: 870  



لا شك أن تجويد التعليم وتطويره هو أحد أهم الثغور وأخطر التحديات التي تواجه جميع بلدان العالم، والقائمين عليه شأنهم شأن المجاهدين في أهمية الوظيفة التي يقومون بها؛ لأنهم يحمون أوطانهم من الجهل الذي يؤدي إلى هلاك النفس والضرع والزرع، قال تعالى: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ"، هنا جعل الله التعليم والتعلم ضرب من الجهاد وسمى الخروج لطلب العلم وتعليمه الناس نفيرا كنفير المجاهدين؛ لأن التعليم هو الخاصية التي ميزت الإنسان على جميع المخلوقات ومنهم الملائكة، ومن خلاله فقط يستطيع الإنسان أن يحقق العمران الكوني الذي كلفه الله تعالى به.
فإذا كانت قضية تطوير التعليم وتجويد مخرجاته قضية محورية في ارتقاء مصر الحبيبة في سلم الحضارة، فإنها بالنسبة للأزهر قضية القضايا؛ نظرا لدور الأزهر الشريف في الحفاظ على هوية مصر بمحاور الهوية الثلاث: اللغة والدين والتاريخ، ودوره المحوري في نشر الرؤية الإسلامية الوسطية التي تحمل الخير والسلام لجميع سكان المعمورة.
ومن خلال الدراسات النظرية والخبرات العملية في قضايا جودة التعليم وتطويره، والتي جعلتنا نعيش هموم التعليم ونستيقظ على أحلامه، نستطيع أن نقول أن العمل على نشر ثقافة جودة التعليم في الأوساط المعنية واجب على كل من يستشعر أهمية التعليم؛ لأن الوسيلة تأخذ حكم الغاية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومع ذلك هناك بعض التحديات التي تواجه ضمان جودة التعليم واعتماد مؤسساته، والتي تحتاج اصطفاف الجميع وتكاتفهم من أجل مواجهة هذه التحديات بالحلول الناجحة، مثل: ضعف التمويل، وزيادة الكثافة السكانية، وضيق وقت الدراسة الفعلية والتي تبلغ حوالي ٣٤% من نسبة العام، والحشو الموجود في المقررات الدراسية، وندرة الكفاءات العلمية والإدارية...، كل هذه التحديات وغيرها لا تستطيع أي مؤسسة مواجهتها دون تكاتف المعنيين معها، وذلك بلا شك يضاعف من جهد المهتمين والمهمومين بتجويد التعليم، وكلما زاد الجهد زاد الأجر من الله في الدنيا وفي الآخرة.
وأهم تحد يواجهه القائمين على جودة التعليم هو: إقناع المستهدفين بثقافة الجودة وأهميتها. ومن خلال العلاقات والتفاعلات مع المهتمين بالتعليم سواء داخل أروقة المؤسسات التعليمية أو في المؤتمرات والفعاليات التعليمية، وجدت أن الكثير منهم قبل الدخول في تطبيق معايير الجودة يعتبرونها مجرد تجميع وترتيب ملفات، وبعد الدخول في عمليات التطبيق الفعلي والوقوف على معايير الجودة التي استوعبت جميع جوانب العملية التعليمية ومجالاتها، فكفت ووفت، ووضعت لكل جانب الحد الأدني والحد والأقصى، وجدت المعنيين في هذه المرحلة يمكن تصنيفهم إلى ثلاثة أصناف:
١- من يعتبرون التعليم رسالة: تلقفوها بالجد والاجتهاد؛ لأنهم وجدوا فيها بغيتهم وبذلوا من أجلها مهجتهم، وما وسعتهم طاقتهم المادية والمعنوية.
٢- أما البرجماتيين النفعيين فقد نظروا إلى مكاسب الاعتماد المادية، فشدوا المئز وعقدوا عزمهم حتى أخذوا الاعتماد، أما ضمان الجودة فقد أداروا له ظهورهم، وتولوا عنه معرضين.
٣- ومن يعتبرون التعليم مجرد مهنة وحصول المتعلم على شهادة تثبت تعلمه غايتهم، فهؤلاء لن يغيروا فكرتهم السلبية عن ضمان الجودة والاعتماد بأنها مجرد "تستيف أوراق"، إلا إذا ولج الجمل في سم الخياط.
والخلاصة أن المعايير التي وضعتها الهيئة القومية لضمان لضمان جودة التعليم واعتماد مؤسساته تتضمن مؤشرات وممارسات نبيلة قد وضعت بدقة، ومن شأنها قياس جميع أركان العملية التعليمية بشفافية وإحكام، غير أنها لا يمكنها قياس الضمير، والعملية التعليمية تبدأ وتنتهي من الضمير، وهو الفارق بين مفهومي الجودة والإحسان، والأخير هو أعلى مراتب الإسلام ويفوق مرتبة الإيمان، ولو ارتقت إليه مؤسساتنا التعليمية لتصدر نظامنا التعليمي جميع أنظمة العالم التعليمية.
ولو وضع للضمير ومراقبة الله مكان ضمن مجالات الجودة ومعاييرها، لكان التعليم في بلادنا نموذج وقدوة تحتذي به الدول، وتحول من تعليب للمعارف والمهارات في نفس المتعلم إلى تعليم يرتقي بالإنسان في سلم الحضارة ليؤهله إلى حمل أمانة التكليف بعمارة الأرض وإدارتها، وتحقيق التنمية المستدامة من أجل جميع المخلوقات وجميع الأجيال.
والحقيقة التي لا مرية فيها أن الوثبة الحضارية ومعالجة حالة الركود والتبعية الحضارية تكاد تصبح مستحيلة إذا بقيت مؤسساتنا التعليمية على ما هي عليه، فلا يمكن تغيير الواقع دون تغيير أدواته ووسائله وأنماط تفكيره، وفي الحقيقة قد بذلت الدولة جهودا حثيثة في هذا الشأن، والتجديد في أي مجال من مجالات الحياة يحتاج إلى تجريب من أجل التقويم والتصويب، ومع كل جديد يظهر المتعصبين للقديم، إما خوفا من الجديد وإما دفاعا عن مصالحهم مع القديم، وإذا استمر تعامل البعض مع قضية تجويد التعليم وتحسين مخرجاته على ما هي عليه فسيبقى حالنا على ما هو عليه.
أخيرا!
الفقر لا يقوض الأمم، إنما يقوضها الجهل ويرفعها العلم.


تعليم، ثقافة، اجتماع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع