مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


[فصل في ميل الطبع إلى المعصية، والنية، والعزم، والإرادة لها]

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


15/05/2023 القراءات: 131  


[فصل في ميل الطبع إلى المعصية، والنية، والعزم، والإرادة لها]
وما يعفى عنه من ذلك) قال في الرعاية وميل الطبع إلى المعصية بدون قصدها ليس إثما فظاهر هذا أنه لو قصد المعصية أثم، وإن لم يصدر منه فعل، ولا قول.
وقال الشيخ تقي الدين: حديث النفس يتجاوز الله عنه إلى أن يتكلم فهو إذا صار نية وعزما وقصدا ولم يتكلم فهو معفو عنه.
وقال في موضع آخر: الإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور فإذا كان في القلب حب الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ثابتا استلزم موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} [المجادلة: 22] . {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء} [المائدة: 81] .
فهذا الالتزام أمر ضروري. ومن جهة ظن انتفاء اللازم غلط غالطون كما غلط آخرون في جواز وجود إرادة جازمة مع القدرة التامة بدون الفعل حتى تنازعوا هل يعاقب على الإرادة بلا عمل؟ قال: وقد بسطنا ذلك وبينا أن الهمة التي لم يقرن بها فعل ما يقدر عليه الهام ليست إرادة جازمة وأن الإرادة الجازمة لا بد أن يوجد معها ما يقدر عليه العبد والعفو وقع عمن هم بسيئة، ولم يعملها لا عمن أراد، وفعل المقدور عليه وعجز عن قيام مراده كالذي أراد قتل صاحبه فقاتله حتى قتل أحدهما فإن هذا يعاقب؛ لأنه أراد، وفعل المقدور من المراد. هذا كلامه.
وفي عيون المسائل لابن شهاب العكبري العود الموجب للكفارة في الظهار هو العزم على الوطء. فإن قيل: العزم هو حديث النفس وذلك معفو
عنه بقوله - عليه السلام - «ما حدثت به أنفسها» قيل: لا يوجب الكفارة بحديث النفس بانفراده وإنما يوجبها بالظهار بشرط العزم على الوطء انتهى كلامه.
وقال القاضي أبو يعلى الخلاف في الصبي الشهيد: نية المعصية واعتقادها معفو عنه ما لم يفعلها، وجزم جماعة فيما إذا فكر الصائم فأنزل أنه يأثم على النية ويثاب عليها، ولذلك مدح الله عز وجل الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض. وجاء النهي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التفكر في ذات الله عز وجل، والأمر بالتفكر في الآية ولو لم يكن مقدورا عليها لم يتعلق بها ذلك، وأما هل يفطر بذلك إذا أنزل؟ قال بعض أصحابنا أو أمذى الأشهر أنه لا يفطر وهو المروي عن أحمد - رحمه الله تعالى - وقول الجمهور منهم أبو حنيفة والشافعي عملا بالأصل ولا نص فيه، ولا إجماع، وهو دون المباشرة وتكرار النظر على ما لا يخفى فيمتنع القياس عليهما.
زاد صاحب المغني والمحرر ويخالف ذلك في التحريم إن تعلق بأجنبية، زاد صاحب المغني أو الكراهة إن كان في زوجة، كذا قالا، ولا أظن من قال يفطر بذلك كأبي حفص البرمكي وابن عقيل وهو مذهب مالك يسلم ذلك.
وقد ذكر ابن عقيل وجزم به في الرعاية الكبرى أظنه أول كتاب النكاح أنه لو استحضر عند جماع زوجته صورة أجنبية محرمة أنه يأثم ويتوجه أن يكون مراد صاحب المغني والمحرر نية محرمة تعلقت بأجنبية عارية عن فعل مع أن فيه نظرا. وأما في المغني فاحتج أولا على عدم الفطر بقوله «عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به» فظاهره أنه لا يأثم لكن حمله على أنه أراد بالخبر العفو في عدم الفطر أولى لما فيه من الموافقة، والصواب وقد لا يشكل عليه قوله: يخالفه في التحريم إن تعلق بأجنبية؛ لأن صاحب المحرر قد وافقه في هذا مع أنه لم يحتج بهذا الخبر، ولا منع التأثيم والله سبحانه أعلم.

وأما الفكرة الغالبة فلا إثم بها ولا فطر قال ابن الجوزي في تفسيره في قوله تعالى:
{ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج: 25] فإن قيل هل يؤاخذ الإنسان إن أراد الظلم بمكة ولم يفعله؟ فالجواب من وجهين أحدهما أنه إذا هم بذلك في المحرم خاصة عوقب. هذا مذهب ابن مسعود فإنه قال: لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ما لم يعملها، ولو أن رجلا هم بقتل مؤمن عند البيت وهو بعدن أبين أذاقه الله عز وجل في الدنيا من عذاب أليم.
وقال الضحاك: إن الرجل يهم بالخطيئة بمكة وهو بأرض أخرى فتكتب عليه، وإن لم يعملها.
وقال مجاهد تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات. وسئل أحمد - رضي الله عنه - هل تكتب السيئة أكثر من واحدة؟ فقال: لا إلا بمكة لتعظيم البلد، وأحمد على هذا يرى فضيلة المجاورة بها.
(والثاني) أن معنى {ومن يرد} [الحج: 25] من يعمل وقال أبو سليمان الدمشقي: هذا قول سائر من حفظنا عنه انتهى كلام ابن الجوزي.

وقد ذكر أصحابنا أنه إذا نوى الخيانة في الوديعة لا يضمن لقوله - صلى الله عليه وسلم - «عفي لأمتي عن الخطإ والنسيان» ولأنه لم يخن فيها بقول، ولا فعل كما لو لم ينو، والمراد كما لو لم ينو في عدم الضمان، ولم يذكروا أنه لا يأثم بذلك، ولا يلزم منه الضمان، وفيه وجه يضمن بذلك، ومثله نية الملتقط الخيانة. أما لو نوى حال الالتقاط بأن التقط قاصدا للتمليك فإنه يضمن؛ لأنها ليست نية مجردة لاقترانها بالفعل.
وذكر الأصحاب أنه لو طلق بقلبه لم يقع ولو أشار بإصبعه لعدم اللفظ، واحتجوا بالخبر «إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به» متفق عليه وهو قول أبي حنيفة والشافعي خلافا لابن سيرين
، والزهري، وعن مالك روايتان.
وقال القاضي في كتاب المعتمد وقاله غيره: وللعبد قدرة على مساعي قلبه. وقد قال أحمد في رواية صالح إذا حدث نفسه بشيء صرف ذلك عن نفسه، وصرفه عن نفسه يدل على قدرته قال: القاضي وللقلب أفعال سوى حديث النفس بالفعل لقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [البقرة: 225] .

قال وقد يؤاخذ الإنسان بشيء من أفعال القلب نحو إرادة العزم والرضى بالفعل، والسخط به، والاختيار له، والنية عليه، ومثل الحسد، والطمع، وتعليق القلب بما دون الله عز وجل والنفاق والرياء والإعجاب، وأما ما لا يؤاخذ به فهو كالخواطر واردة عليه مما لا يدخل تحت قدرته انتهى كلامه، ويأتي قريبا كلام الشيخ، عبد القادر في ركون القلب إلى غير الله عز وجل وقد قال تعالى حاكيا عن يوسف - عليه السلام - {وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين} [يوسف: 42] .


[فصل في ميل الطبع إلى المعصية، والنية، والعزم، والإرادة لها]


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع