مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
إني منحتك يا كدام وصيتي ... فاسمع لقول أب عليك شفيق
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
05/05/2023 القراءات: 416
قال القاضي: ولأنه يفعل ذلك كراهة الوضع في الحديث لراويه، ومن كره التواضع في الحديث فقد أساء وهذا معنى قول أحمد يتزين انتهى كلامه، فتدبر هذا فإنه أمر يختص بالرواية، لكن لا يعارض هذا نصه في الفرق بين اليمين وغيرها.
قال الشيخ تقي الدين: كل كراهته هنا للتحريم يخرج على قولين في المعاريض إذا لم يكن ظالما ولا مظلوما والأشبه التحريم فإن التدليس في الرواية والحديث أعظم منه في البيع كذا قال. قال القاضي وغيره: وذهب قوم من أصحاب الحديث إلى أنه لا يقبل خبره وهذا غلط لأنه ما كذب بل صدق إلا أنه أوهم، ومن أوهم في خبره لم يرد خبره كمن قيل له حججت؟ فقال: لا مرة ولا مرتين يوهم أنه حج أكثر وحقيقته أنه ما حج أصلا، فلا يكون كذبا انتهى كلامه وهو موافق لما سبق.
وقال الشيخ تقي الدين: ليس بصادق في الحقيقة العرفية فيقال: قد يمنع ذلك وعدم فهم بعض الناس ليس بحجة فقد يفطن للتعريض بعض الناس دون بعض ولهذا لا يعد في العرف كذبا؛ لأنه صادق لغة والأصل بقاء ما كان ولأن الاعتبار باستعمال الشارع وحقيقته والله أعلم.
وعن الأعمش قال حدثت عن أبي أمامة مرفوعا «يطبع المؤمن على الخصال كلها إلا الخيانة والكذب» عن عائشة قالت ما كان خلق أبغض إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكذب. لقد كان الرجل يكذب عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكذبة فما يزال في نفسه عليه حتى يعلم أنه أحدث منها توبة رواه أحمد.
وعن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - «أن امرأة قالت يا رسول
الله إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني قال المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم.
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له» له طرق إلى بهز وهو ثابت إليه وبهز حديثه حسن رواه أبو داود، والنسائي والترمذي وحسنه ولأحمد حديث مكحول عن أبي هريرة ولم يسمع منه. قال البخاري وغيره مرفوعا «لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح ويترك المراء وإن كان صادقا»
المراء في اللغة الجدال يقال: مارى يماري مماراة ومراء، أي: جادل. وتفسير المراء في اللغة استخراج غضب المجادل من قولهم: مريت الشاة إذا استخرجت لبنها.
وعن السائب بن أبي السائب أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - «كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك لا تداريني، ولا تماريني» رواه أبو داود وابن ماجه ولفظه: «كنت شريكي فنعم الشريك» . وتداريني من المداراة بلا همز وروي بالهمز والأول أشهر.
وقال لقمان لابنه يا بني: لا تمارين حكيما، ولا تجادلن لجوجا، ولا تعاشرن ظلوما، ولا تصاحبن متهما.
وقال أيضا يا بني من قصر في الخصومة خصم، ومن بالغ فيها أثم، فقل الحق ولو على نفسك فلا تبال من غضب. وقال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: كفى بك ظالما أن لا تزال مخاصما، وكفى بك آثما أن لا تزال مماريا. وعن ابن مسعود مثله.
وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: ما ماريت أخي أبدا؛ لأني إن ماريته إما أن أكذبه، وإما أن أغضبه.
وقال محمد بن علي بن الحسين: الخصومة تمحق الدين وتثبت الشحناء في صدور الرجال. يقال: لا تمار حكيما ولا سفيها، فإن الحكيم يغلبك، والسفيه يؤذيك قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: من لاحى الرجال وماراهم قلت كرامته، ومن أكثر من شيء عرف به.
وقال بلال بن سعد (الإمام الذي كان يصلي في اليوم والليلة ألف
ركعة ومحله بالشام كالحسن البصري بالبصرة) قال: إذا رأيت الرجل لجوجا مماريا فقد تمت خسارته. وقد روي عن سفيان بن أسيد ويقال أسد مرفوعا «كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت به كاذب» رواه البخاري في الأدب وأبو داود من رواية بقية عن ضبارة الحضرمي عن أبيه وبقية مختلف فيه وهو مدلس وأبو ضبارة تفرد عنه ابنه ترجم عليه أبو داود (باب في المعاريض) ولأحمد مثله من حديث النواس بن سمعان من رواية عمرو بن هارون وهو ضعيف، وثم المراد بها الكذب، أو التعريض من ظالم أو الكراهة والله أعلم.
وذكر ابن عبد البر الخبر الذي يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لما أسري بي كان أول ما أمرني به ربي عز وجل قال إياك وعبادة الأوثان، وشرب الخمور وملاحاة الرجال» .
وقال مسعر بن كدام يوصي ابنه كداما شعرا:
إني منحتك يا كدام وصيتي ... فاسمع لقول أب عليك شفيق
أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
إني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جار ولا لرفيق
والجهل يزري بالفتى وعمومه ... وعروقه في الناس أي عروق
وقال أبو العباس الرياشي:
وإذا بليت بجاهل متجاهل ... يجد المحال من الأمور صوابا
أوليته مني السكوت وربما ... كان السكوت عن الجواب جوابا
ويأتي بالقرب من نصف الكتاب ما يتعلق بهذا، وتحريم الكبر والفخر والعجب.
وقال منصور لأبي عبد الله: رخص في الكذب في ثلاث قال: وما بأس على ما قيل في الحديث.
وقال أبو طالب: قال أبو عبد الله لا بأس أن يكذب لهم لينجو يعني الأسير قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «الحرب خدعة» .
وقال في رواية حنبل: الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل قلت له فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إلا أن يكون يصالح بين اثنين أو رجل لامرأته يريد بذلك رضاها» قال: لا بأس به، فأما ابتداء الكذب فهو منهي عنه، وفي الحرب كذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «الحرب خدعة» وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - «إذا أراد غزوة ورى بغيرها لم ير بذلك بأسا في الحرب» . فأما الكذب بعينه فلا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «الكذب مجانب الإيمان» كذا قال، وروي هذا الخبر في المسند عن أبي بكر موقوفا
وقال أحمد: ولا يصلح من الكذب إلا في كذا وكذا وقال: لا يزال يكذب حتى يكتب عند الله كذابا فهذا مكروه فقد نص على إباحة الكذب في ثلاثة أشياء لكن هل هو التورية أو مطلقا؟ ورواية حنبل تدل على تحريم ابتداء الكذب، ورواية ابن منصور ظاهرة في الإطلاق فصار المسألتان على روايتين والإطلاق ظاهر كلام الأصحاب والله أعلم.
إني منحتك يا كدام وصيتي ... فاسمع لقول أب عليك شفيق
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع