مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (70)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


24/10/2023 القراءات: 736  


تنبيه مهم للتراثيين:
نقلُ العلماء عن كتابٍ ونسبتُه إلى مؤلِّفٍ معينٍ لا يلزم منه بالضرورة صحةُ تلك النسبة، فإنهم يعتمدون أحيانًا على نُسخٍ تحت أيديهم قد لا تكون نسبتُها إلى مَن نُسبتْ إليه صحيحة، وقد لا يكتشفون ذلك لأسبابٍ متعددةٍ، منها أنْ يكونوا على عجلةٍ من أمرهم، وإما أنَّ الكتاب ليس مما مارسوه، ومنها أنْ يكون في غير اختصاصهم، ومنها عدمُ وقوفهم على ما يردُّ تلك النسبة، وهكذا. وهذا موضوعٌ مهمٌّ للغاية، وهناك أمثلة عليه تُظهر أنهم نقلوا عن كتب وجدوها أمامهم منسوبة إلى مؤلِّف، ثم ظهر أن تلك النسبة غير صحيحة، ومِنْ ذلك:
نقلُ محمد بن محمد العوفي الإسكندري (ت: 906) صاحب "كشف البيان عن صفات الحيوان" عن كتابٍ بعنوان "سراج القلوب" نسبَه إلى ابن الجوزي. وحين وقفنا على النسخة تبيَّن عدم صحة النسبة.
ومِنْ ذلك نقل ابن طولون في كتابه "المنهل الروي في الطب النبوي" عن "الطب النبوي" للذهبي. ثم تبيَّن لنا أن نسبة ذلك الكتاب إلى الذهبي غير صحيحة.
ومِنْ هذا بعضُ ما يثبته حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون" فإنه يثبتُ ما يَرى. وهو مؤرخٌ وليس مِنْ وكده التثبتُ من صحة كلِّ ما يراه، وحسبه أنه دوَّنَ ما رآه.
فإثباتُ نسبةٍ أو ردُّها بناءً على نقلٍ سابقٍ قد لا يكفي وحدَه في ذلك.
وأرجو أنْ أفرغ لكتابةٍ مفصلةٍ في ذلك أكثر مِنْ هذه الإلماعة. ومن الله العون.
***
تحريفان متجاوران:
جاء في "الكشف الحثيث عمَّن رُمي بوضع الحديث" لبرهان الدين الحلبي (ت: 841)، (ص: 257) من طبعة عالم الكتب، و(ص: 423) من طبعة بغداد:
«قال الذهبي: قلتُ: ‌مكلبة بن بَابَه رتن الهندي. انتهى».
كذا جاء: (بن بَابَه)! والصواب: مكلبة مِنْ بابةِ رتن الهندي، أي مثله، ورتن الهندي كذاب مشهور.
***
رتن أيضًا:
يَعرفُ أهلُ الحديث "رتن الهندي" الكذاب، ولكن قد يغيبُ هذا عن غيرهم.
مثال ذلك:
قال السيوطي في مقامته "المقامة المستنصرية" التي ردَّ فيها على عدوّه ابن المشد: "طالما أوقعَ بيني وبين أصحابي الفتن، وأوقدَ النار بأكاذيبَ يختلقُها كأنّه رتن".
وهنا قال المحققُ الفاضلُ (شرح المقامات 2: 1059): "رتن لم أجد لها تفسيرًا".
وقلتُ في طبعتي لـ "المقامة المستنصرية" ضمن كتاب "التحدث بنعمة الله" للسيوطي (ص: 285): "رتن رجلٌ كذابٌ ادعى الصحبة في الهند متأخرًا، وخبرُه معروفٌ لدى المحدِّثين".
وللذهبي (ت: 748) كتابٌ فيه سمّاه: "كسر وثن رتن"، وكان السيوطي (ت: 911) قد نقلَ منه، فعلمنا أنه وقف عليه، وعلمنا مِنْ نقله أنّ مطلعَ ذلك الكتاب هو: "سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ". انظر: "رفع الباس" ضمن "الحاوي للفتاوي" (1: 366).
***
(لم يزد) لا (لم يؤد):
من أخبار الشيخ مرعي الكرمي (ت: 1033) التي حكاها عن نفسه بصورة الغائبِ والإبهامِ أنه طلب وظيفة من وزير مصر حسين باشا، فلبى طلبه وقال له: "لا تنسَ السلطانَ من صالح دعائك". ولم يزدْ على ذلك. أي لم يطلب الوزيرُ منه سوى الدعاء للسلطان. ولكن جملة "لم يزد على ذلك" تحرفتْ إلى "لم يؤد على ذلك" فأربكت السياق.
جاء في كتابه "قلائد العقيان في فضائل آل عثمان" (7: 513 ضمن مجموع رسائله): "ومن العجب أنَّ بعض فقراء العلماء بمصر المنقطعين بالجامع الأزهر للإفتاء والتدريس والتصنيف [يقصد نفسه] بلغه أنّ حسين باشا -لطف الله به- إذا توجّه إليه أحدٌ مِن طلبة العلم بوظيفةٍ فإنه يقرّره فيها، فتوجّه إليه ذلك العالمُ الفقيرُ بوظيفةٍ، فقرّره الباشا فيها وقال له: لا تنسَ السلطانَ مِن صالح دعائك، ولم يؤد [كذا] على ذلك...".
وقد جاءت الكلمة على الصواب في طبعة الشيخ عبدالله الكندري. انظر (ص: 110).
وكان يحسن من المحققين الفاضلين التعليق هنا بأن الكرمي يقصد بالعالم الفقير نفسَه.
***
خلاصة بحث "مخطوطات في الوجوه والنظائر نُسبت إلى غير مؤلفيها"
وقفتني اليوم د. نوال سلطان وفقها الله تعالى على ورقةٍ فيها خلاصة البحث المذكور للدكتور حاتم صالح الضامن الذي شارك فيه في ماليزيا، فرأيتُ إيرادها هنا للفائدة.
قال رحمه الله تعالى:
"بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع/ خلاصة بحث
وبعد: فهذه خلاصة لبحثي الموسوم بـ (مخطوطات في الوجوه والنظائر نُسبت إلى غير مؤلفيها).
وقد قصرتُ بحثي على ثلاث مخطوطات، هي:
١- مخطوطة "الوجوه والنظائر في القرآن الكريم" المنسوبة إلى هارون بن موسى المتوفى سنة (170)، وقيل: (200)، وكنت قد حققت الكتاب قبل ربع قرن، منسوبًا إليه، على نسخة جستربيتي. وتبين لي بعد أن وقفتُ على النسخة الأصلية لكتاب "الوجوه والنظائر في القرآن الكريم" لمقاتل بن سليمان المتوفى سنة (150)، أنَّ الكتاب المنسوب إلى هارون هو نسخة أُخرى مِن كتاب مقاتل.
٢- مخطوطة "الأشباه والنظائر في الألفاظ القرآنية" المنسوبة إلى أبي منصور الثعالبي المتوفى سنة (429)، وقد نشره محمد المصري ببيروت على نسخة ولي الدين بإستانبول، وتبين لي أن الكتاب لابن الجوزي، المتوفى سنة (597)، وهـو نسخة مطابقة لكتابه الذي نشر بالقاهرة عام (1979م)، والموسوم بـ: "منتخب قرة عيون النواظر في الوجوه والنظائر".
٣- مخطوطة "توجيه القرآن" لأبي العباس أحمد بن علي المقرئ، نقلَ نصوصًا كثيرة منه أربتْ على الخمسين ابنُ عادل الدمشقي الحنبلي، المتوفى بعد سنة (880)، في كتابه "اللباب في علوم الكتاب". وكذا نَقَلَ عنه شهابُ الدين القسطلاني، المتوفى سنة (923)، في كتابه "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري". ونُسِبَ الكتاب غلطًا إلى أبي العباس أحمد بن محمد المقري المتوفى سنة (1041)، وهو مؤلفُ كتاب "نفح الطيب".
ويأتي تفصيلُ ذلك في البحث الذي أشاركُ فيه، إنْ شاء الله تعالى. والحمد لله ربِّ العالمين".
***
الأحوذي لا الآمدي:
جاء في "التقييد الكبير في تفسير كتاب الله المجيد" لأحمد بن محمد البسيلي التونسي (760-830)، طبعة الرياض (ص: 231): "قال ابنُ العربي في "كتاب الآمدي": معنى كونه أرحم الراحمين أو خير الراحمين...".
والصواب: "في كتاب الأحوذي".
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع