مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


{أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَ}(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


07/01/2023 القراءات: 361  


القراءات في الآية ثلاث:
1 - أَمَرْنا: بالقصر والتخفيف، من الأمر الذي هو ضد النهي.
2 - آمَرْنا: بالمد والتخفيف، بمعنى كثّرنا المترفين.
3 - أَمَّرْنا: بالقصر والتشديد، من التأمير بمعنى التسليط والحكم.
وقد وردت أقوال العلماء والسلف بهذه المعاني الثلاثة. أوردها الإمام الطبري في تفسيره الجامع، والسيوطي في الدر المنثور.
قال ابن عباس: أمرنا مترفيها بحقٍّ فخالفوه، فحق عليهم بذلك التدميرُ.
وقال ابن عباس مرجحاً قولاً آخر فيها: أمرنا مترفيها: سلطنا شرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب، وهو قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا}.
ولذلك لما سال نافعُ بن الأزرق -زعيم الخوارج- ابنَ عباس رضي الله عنهما في موسم الحج عن آياتٍ من القرآن. سأله عن معنى {أمرنا مترفيها}، فقال: سلطنا الجبابرة عليهم فساموهم سوء العذاب.
قال له نافع: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة:
إنْ يُعْطِبُوا يَبْرِموا، وَإنْ أُمِّروا ... يَوْماً يَصيروا لِلْهُلْكِ والْفَقَدِ
وعن أبي العالية: أمرنا مترفيها: أمّرنا عليهم أمراء.
وعن ابن عباس أنه قرأ: آمرنا. قال: أكثرنا فساقها.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نقول للحي إذا كثُروا في الجاهلية: قد أَمروا بني فلان.
وبعد هذه الأقوال: نقول: المعنى الراجح للآية: أنّ المراد بالأمر حقيقته التي هي ضد النهي. وأن الله يأمر المترفين بالطاعة، فيخالفون أمره، ويقومون بالفسق والمعصية، فيحق عليهم أمر الله، ويوقع بهم العذاب والدمار.
والملاحظ في الآية أنها أثبتت الفسق للمترفين، ولكنها أوقعت التدمير بكل أهل القرية، مترفين وغير مترفين! فما ذنب الآخرين؟
الملاحظ أن غير المترفين معذبون معهم، إما لأنهم شاركوهم الفسوق والعصيان واتباع الشهوات، وذلك لأن المعصية تُعدي، والمترفون يحرصون على إفساد الآخرين ونشر المنكرات والمعاصي والشهوات بينهم، وطالما أنهم المتنفذون فإن الآخرين ينقادون لهم، ويستجيبون لإفسادهم. وتيار الشهوات جارف، ووباؤها منتشر.
وإما لأنهم جبُنوا عن الإنكار، وسكتوا عن الأمر بالمعروف، ولاذوا بالصمت، فلم ينكروا على المترفين فسقهم وفسادهم، ولم يأخذوا على أيديهم، ولم يُحذروا الناس من خلالهم. والله عز وجل يقول: {وَاتَقوا فِتْنَةً لا تُصِيبَن الذينَ ظَلَموا مِنْكُمْ خاصَّة}.
إن هذه الآية تقرر سنة ربانية ثابتة من سنن الله في حياة البشر:
إن المترفين هم سبب الهلاك والدمار. وإن المترفين حريصون على الشر والفسق والفساد بين الآخرين. وإن المترفين مخالفون لأوامر الله، مرتكبون للنواهي والمحرمات. وإن المترفين فاسقون عصاة. وإن الترف ملازمٌ للفسق. وإن الدمار والهلاك والعذاب هو النتيجة المنطقية لكل هذه الجرائم. ولا يظلم ربك أحداً.
***


{أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَ}(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع