مدونة د. أسماء صالح العامر


متى يبدأ المحقق في جمع النسخ؟

د. أسماء صالح العامر | Asma saleh Al amer


17/12/2023 القراءات: 1182  


[متى يبدأ المحقق في جمع النسخ؟]
وحين يقع اختيار المحقق على كتاب لم يحقق حسب القواعد المتعارفة، أو كانت لديه زيادة تنقير وتدقيق فاتت المحقق الأول، أو ظهرت من الكتاب نسخ مخطوطة أصيلة تزيد الكتاب ثقة به واطمئنانا إليه واعتمادا عليه.
حينذاك يبدأ سعي المحقق في تجميع النسخ، وهي - في الوقت الحاضر - مصورات كلما ازدادت وضوحا في التصوير ازدادت شبها بأصلها، وحلت محله في القراءة وتهيئة النسخة للعمل [1].
وهنا تظهر فائدة فهارس المخطوطات لمعرفة أماكن هذه النسخ والسعي في الحصول على مصوراتها.
ولا ننسى الاستعانة بذوي الخبرة في الهداية إلى مظانها وتقييمها، وفي إعانتهم للمحقق في تحصيلها بما لهم من صلات مع أصحاب الكتب والقائمين عليها.
فحص النسخ وتقييمها

وهنا يأتي دور فحص النسخ لاعتماد ما يجب الاعتماد عليه منها وإهمال ما ينبغي إهماله.
وهذا الدور من أهم أدوار هذا الفن، لأن نتيجة التحقيق وثمرة جهد المحقق مبنيتان عليه.
وقد اعتورت مخطوطاتنا ظروف كانت حسنة حينا سيئة أحيانا كثيرة.
وتداولتها - بعد أيدي النساخ - أيد كانت في الغالب غير أمينة:
فمن متولي وقف حسن له الشيطان وألجأه فقر المجتمع المتخلف إلى بيع ما تحت يده، فمزق الورقة الأولى ليضيع أثر الوقف، ففوت علينا معرفة عنوان الكتاب واسم مؤلفه وفوائد أخر.
ومن متعصب ضيق الأفق ساءه أن يرى لعالم من غير أهل نحلته أثرا، فعدا عليه تمزيقا أو شطبا أو محوا أو تحريفا لما لا يروقه ... ومن وارث جاهل صار ما وصل من ذخيرة الأمة إليه لعبة لأطفاله، مبذولا لكل من هب ودب من معارفه.
ومن .. ومن .. دع عنك عاديات الطبيعة في النسخ نفسه من سهو وسبق قلم أو نظر .. وعاديات الطبيعة على الكتاب نفسه - ورقا وحبرا - من رطوبة وحشرات لها بالورق المكتوب ولع غريب.
وليس معنى هذا إنكار ما لبعض الأيدي - متولية وقف أو وارثة - من الأمانة والحيطة على الكتاب.
وليس هو كذلك إنكار فضل أولئك النساخ العارفين الضابطين، فأنت تقرأ في ترجمة ياقوت المستعصمي - الخطاط المعروف - أنه كان مولعا بنسخ نهج البلاغة بخطه المضبوط الجميل.
وتقرأ في تراجم كثير من العلماء أنه كان يكتب خطا فصيحا صحيحا.
هذه النوائب التي حلت بالكتاب - وغيرها كثير - توجب على المحقق أن يكون مدققا منقبا حذرا، ينفض النسخة وجها لبطن، عند فحصه لها.
وليعلم أن للنسخ التي وصلت إلينا حالات غريبة منها:
1 - أن تكون النسخة كاملة سالمة واضحة الخط فصيحته جميلته، بخط مؤلفها أو خط معتمد موثوق به، أو تكون منقوطة مشكولة شكلا كاملا على الصحة، أو تحتوي - من الصور أو الرسوم البيانية أو غير ذلك - ما يضن به على الضياع.
فالأولى طباعة هذه النسخة بالتصوير، كي لا ندخل عليها من سهو القلم وأخطاء التطبيع ما يشوه جمالها ويذهب بصحتها.
ولا يعتذرن - هنا - بصعوبة الحرف المخطوط، فإنه أمر مبالغ فيه، والمطلعون يعلمون أن في تراثنا مخطوطات رائعة الجمال تزري بالخط الطباعي مهما بلغ من الجمال والنظافة، لأن الخط الطباعي خط ميت سطرته آلة ميتة، وخط اليد يستمد حياته من اليد التي كتبته.
والعمل الذي يقوم به المحقق في هذه النسخة:
أ - أن يقدم لها مقدمة وافية في ترجمة المؤلف ووصف النسخة وتوثيق نسبتها وبيان أهميتها.
ب - أن يذيلها بهوامش التحقيق الكافية، وبالفهارس التي توصل القارئ إلى مطالبها.
2 - أن تكون النسخة من المطبوعات القديمة التي ضاعت أصولها المخطوطة، وهذه ينبغي الحذر عند تحقيقها والتثبت البالغ، وأن يوكل أمرها إلى شيوخ المحققين.
3 - المترجمات إلى اللغات الأخرى - غير العربية - التي ضاعت أصولها المخطوطة، والعمل في هذا النوع ملقى على عاتق المترجم العارف، ويجدر به أن يستعين في ترجمتها بما سلم من كتب المؤلف باللغة العربية، وبما نقل من نصوص الكتاب في الكتاب الأخرى.
وبعد هذه العجالة - التي لا يتسع المقام لأكثر منها - نعود إلى التقسيم الاعتيادي للنسخ، وهو أمر متفق عليه - أو يكاد - بين جمهرة المشتغلين بهذا الفن.
وعندهم أن أعلى النسخ هي النسخة التي كتبها المؤلف في آخر صورة أخرج بها كتابه للناس.
أو كتبت بخط معتمد وقرأها المصنف أو قرئت عليه وسجلت عليها هذه القراءة.
أو نسخة كتبت من نسخة المصنف وعورضت بها أو قوبلت عليها.
أو نسخة كتبت في عصر المصنف وعليها سماعات العلماء.
أو تكون النسخة من النسخ التي حظيت باهتمام العلماء بالقراءة أو الإجازة أو السماع، وأن يكون فيها ما يدل على التصحيح.
هذه النسخ تقوم إحداها مقام الأخرى عند فقدانها، وهي النسخة التي يعبرون عنها بالأصل أو الأم.
وهذا القول ليس على إطلاقه فإن لكل نسخة من الخصائص ما يضطر المحقق إلى اعتمادها أو تركها، فرب نسخة لم يشفع لها قدمها أو حسن خطها أو كتابة عالم معروف لها. ورب نسخة تقدمت على نسخة أقدم منها أو أحسن خطا.
وعند اعتمادنا نسخة أصلا تكون النسخ الأخرى مساعدات في القراءة والنقط والضبط وزيادة ما أسقطه السهو ... وأشباه هذه الأمور.
هذا مجمل القول في نسخة الأصل، وتبقى عندنا الكثرة الكاثرة من النسخ التي لا تملك من مميزات النسخة الأصل شيئا، أو التي يؤخرها التقييم عن مرتبة الأصل، ولكن لها من القرائن الداخلية أو الخارجية ما يمنحها الثقة بها والركون إليها.
هذه النسخ أجود الطرق في تحقيقها الطريقة المعروفة ب‍ (التلفيق) وعلينا - والحالة هذه - أن نخرج من مجموع هذه النسخ نصا مرضيا، نتحرى فيه الصحة والكمال جهد الطاقة.
وفي الحواشي مضطرب واسع لإثبات الاختلافات بين النسخ وتوجيهها، ولتسجيل ما يعن لنا من ملاحظات واستدراكات وتوضيحات. وينبغي أن لا يفوتنا من النسخ شئ ذو فائدة، فنسجل كل ما نعثر عليه .. فرب حامل فقه إلى من هو أفقه
منه.
وفي طريقتي التحقيق - طريقة الأصل أو طريقة التلفيق - تجب المحافظة على كل ما كتب في النسخ أو في هوامشها مما له علاقة بالكتاب بتسجيله في هوامش التحقيق.


التحقيق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع