مدونة الدكتور محمد محمود كالو


وعد الآخرة والتتبير (1) أ.د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


18/10/2023 القراءات: 389  


وعد الآخرة والتتبير (1)
يجب أن ننظر إلى الأحداث اليوم بمنظار القرآن الكريم؛ فكثير منا ينظر إلى الأحداث ويقرأ التاريخ منقطعاً عن القرآن، مع أن قليلاً من التدبر في القراءة والاستدلال يشرح لنا بآيات الله تعالى ميلاد الحركة الصهيونية، واختيارها لفلسطين مهداً لدولتها المرجوة، ثم حِلْف إنكلترا لها ومساعدتها حتى تمكَّنت في الأرض وعاثت فيه فسادًا، فقتَّلت الأطفال ويَتَّمتهم، وقتلت الشيوخ وهتكت أعراض النساء، وهدمت المنازل والمساجد، واغتصبت الحريات، وسيطرت على العالم وثرواته، وأمسكت بزمام الاقتصاد والإعلام، واستعبدت الحُكّام، وهلم جراً من جرائم الحرب والمجازر وليس آخرها مجزرة مستشفى المعمداني مما تقشعر من هولها الجلود والأبدان.
وقد قال الحق سبحانه عن اليهود: {لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4]، والإفساد الأول حينما نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، إذا جاء وقت الإفساد الثاني لهم، ستكون لنا يقظة وصَحْوة نعود بها إلى منهج الله تعالى وإلى طريقه المستقيم، وعندها ستكون لنا الغَلبة والقوة، وستعود لنا الكَرَّة على اليهود.
لنتدبر كتاب ربنا جل جلاله، حتى نفهم واقعنا أكثر، فوعد الآخرة كان إلى نزول القرآن الكريم غيرَ واقع، وأنه سيقع في المستقبل القريب، أو البعيد، والدليل على هذا ما يحدِّث به القرآن الكريم في هذا المقام، حيث تحدث عن مجيء المرة الأولى فقال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} [الإسراء:5].
وتحدث عن مجيء المرة الثانية وهي المرة الآخرة فقال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْـمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء:7].
فالآيتان تتحدثان عن المستقبل وقت نزول القرآن، الذي يدل عليه الشرط: «إذا»، والآية الثانية نجد حديثاً عن «المسجد»، والمسجد كما هو معروف مَعْلَم من معالم الإسلام، إذ السجود أبرز عمل من أعمال المسلمين في الصلاة، ولهذا كان الاسم الذي يعرف به المسجد الأقصى هو: «بيت المقدس» حتى إذا أسرى الله سبحانه وتعالى بالنبي الكريم –صلى الله عليه وسلم-إليه أسماه الباري سبحانه: المسجد الأقصى، وجعله بهذا الاسم القِبلة الأولى للمسلمين، كما جعله بهذه التسمية مسجدًا لهم يعبدون الله تعالى فيه، فذكر «بيت المقدس» باسم «المسجد» يشير إشارةً واضحةً إلى أن المرة الثانية التي يقع فيها من «بني إسرائيل» هذا الإفساد إنما تكون في العهد الإسلامي، وفي الوقت الذي يكون فيه بيت المقدس مسجدًا للمسلمين، على خلاف ما كان عليه من قبل، حيث لم تشر الآية الأولى إلى المسجد من بعيد أو قريب، بل جاءت الآية هكذا {فجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} أي تنقلوا كما يشاءون بين الديار، وهذا يعني أن العدو الذي ابتلاهم الله تعالى به كان متمكناً، بحيث يمشي في ديارهم، ويتخلل طرقاتها دون أن يخشى أحدًا.
فالآية الكريمة تقرر مجموعة من الحقائق أهمها:
أن الذين يدخلون المسجد الأقصى هذه المرة قد كان لهم دخول إليه من قبل، ودخول المسلمين المسجدَ الأقصى أولَ مرّة كان في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يكن المسجد الأقصى وقتها في أيدي اليهود، بل كان في أيدي الرومان المسيحيين، فدخوله الأول لم يكُنْ إساءةً لليهود، لكن هذه المرة الثانية سيكون دخول الأقصى، وهو في حوزة اليهود، {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} وسيكون من ضمن الإساءة لوجوههم أن ندخل عليهم المسجد الأقصى، ونُطهِّره من رِجْسهم.
ونلاحظ كذلك في قوله تعالى: {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء:7] أن القرآن لم يقُلْ ذلك إلا إذا كان بين الدخولين خروج، فخروجنا الآن من المسجد الأقصى تصديق لِنُبوءَة القرآن، وكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أنْ يلفت انتباهنا: إنْ أردتُمْ أنْ تدخلوا المسجد الأقصى مرة أخرى، فعودوا إلى منهج ربكم وتصالحوا معه.


وعد الآخرة، التتبير، الإفساد، العلو الكبير، بيت المقدس، المسجد الأقصى


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع