مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
سلسلة السيرة النبوية 🔻 غزوة بدر الكبرى (5)
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
28/02/2023 القراءات: 344
ولما رأى الطاغية الأكبر أبو جهل، أول أمارات الاضطراب في صفوفه حاول أن يصمد في وجه هذا السيل، فجعل يشجع جيشه ، ولكن سرعان ما تبدت له حقيقة هذه الغطرسة، فما لبث إلا قليلًا حتى أخذت الصفوف تتصدع أمام تيارات هجوم المسلمين. وبقى حوله عصابة من المشركين ضربت حوله سياجًا من السيوف، ولكن هجوم المسلمين بددت هذا السياج، وحينئذ ظهر هذا الطاغية، ورآه المسلمون يجول على فرسه، وكان الموت ينتظره على أيدى غلامين أنصاريين.
يقول عبد الرحمن بن عوف رضي اله عنه إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يمينى وعن يسارى فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما ( لم يآمن أن يكونا بجواره لصغر سنهما ) إذ قال لي أحدهما سرًا من صاحبه: يا عم أرني أبا جهل، فقلت: يا ابن أخي وما تصنع به؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه، فتعجبت لذلك ، قال : وغمزني الآخر فقال لي مثلها سرًا
قال: فما سرني أني بين رجلين مكانهما، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فأشرت لهما إليه ، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه
قال: فابتدراه (انقضا عليه) فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـقال: "أيكما قتله؟" فقـال كـل واحد منهما: أنا قتلته، قال: "هل مسحتما سيفيكما؟" فـقالا: لا. فنـظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلــى السيفـين فقال: "كلاكما قتله" وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَلَبِه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومُعَوِّذ ابن عفراء. رضي الله عنهما
ولما انتهت المعركة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ينظر ما صنع أبو جهل؟" فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وبه آخر رمق ، فاجهز عليه
وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده ، انطلق أرنيه " فانطلق فــأره إيـاه، فقال: "هذا فرعون هذه الأمة"
وقتل العديد من زعماء قريش ومنهم أمية بن خلف، فقد أسره عبد الرحمن بن عوف بعد المعركة وأسر معه علياً ابنه، فلمحه بلال، وكان هو الذي يعذبه بمكة، فقال: رأس الكفر أمية ابن خلف، لا نجوت إن نجا، واستصرخ عليه الأنصار فأعانوه على قتله هو وابنه علي
وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على حياة بعض المشركين الذين خرجوا إلى بدر مكرهين خائفين من لائمة قومهم، ومنهم من قدم يدا للمسلمين في العهد المكي، وقد سمى منهم بني عبد المطلب وفيهم عمه العباس بن عبد المطلب وأبا البختري بن هشام ، فطلب من المسلمين أن يأسروهم ، وقد تم أسر العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وأما أبو البختري فقد أصر على القتال فقتل
ولما انقضت الحرب أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى فقال: "بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس"، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قُلُب بدر.
وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم ببدر ثلاثة أيام ودفن شهداء المسلمين فيها ، ولما كان اليوم الثالث ببدر وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قليب بدر الذي ألقى فيه المشركين، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ويقول: "أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟
فقال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم".
قال قتادة: " أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما"
البخاري
وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مؤيدًا مظفرًا، وأرسل بشيرين إلى المدينة هما زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما يبشرانهم بالنصر، فوصلاها وقد نفض أهل المدينة أيديهم من تراب رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه وكانت قد توفت
ولقد وصلت أنباء هزيمة قريش ومصابها في زعمائها، فعم الحزن وساد الأسى ووقعت النياحة في بيوت المشركين، وكثر البكاء على القتلى، حتى لقد مرض أبو لهب ومات بعد أيام قليلة ونذر أبو سفيان ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولقد وقع خلاف بين الجيش حول الغنائم، ولما اشتد هذا الخلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يرد الجميع ما بأيديهم، ففعلوا، ثم نزل الوحى بحل هذه المشكلة. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فشهدت معه بدرًا، فالتقى الناس فهزم الله العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يطاردون ويقتلون، وأكبت طائفة على المغنم يحرزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا يصيب العدو منه غِرَّة، حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها، وليس لأحد فيها نصيب،وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم أحق بها منا، نحـن نحـينا منـها العـدو وهزمناه، وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: خفنا أن يصيب العدو منه غرة، فاشتغلنا به، فأنزل الله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأنفال:1]. فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على السواء بعد أن أخذ منها الخمس.
سلسلة السيرة النبوية 🔻 غزوة بدر الكبرى (5)
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة