لماذا خَصَّص القرآن النهي عن سخرية النساء؟ قراءة في بلاغة التوكيد وواقع التغيير
د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim
09/03/2025 القراءات: 17
جاء النهي الإلهي عن السخرية في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾ (الحجرات: 11)، حيث خَصَّصَ الذكر بعد العموم؛ فالقوم يشمل الرجال والنساء، لكن جاء التوكيد على النساء بجملة مستقلة. وهذا الأسلوب القرآني يحمل دلالات عميقة، منها:
١. التأكيد على شمول النهي:
رغم أن لفظ "القوم" يشمل الجنسين، فإن تخصيص النساء يُعَدُّ تنبيهاً على أن النهي ليس حكراً على الرجال، بل يشمل الجميع. وهذا نمط قرآني معروف في التأكيد على العموميات، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ (النساء: 32)، حيث يُذكَّر بخصوصية النساء بعد العموم.
٢. معالجة واقع اجتماعي:
قد يكون التخصيص إشارةً إلى أن السخرية كانت أكثر شيوعاً بين النساء في ذلك المجتمع، سواء لطبيعة العلاقات الاجتماعية أو لِما قد يترتب عليها من تفكك أسري. فالسخرية بين النساء قد تؤدي إلى قطيعة تُضعف تماسك الأسرة، التي هي لَبِنَة المجتمع.
٣. التركيز على احترام كرامة المرأة:
الإسلام رفع من مكانة المرأة، وجاء التخصيص هنا تأكيداً على ضرورة صون كرامتها، وعدم تقليل شأنها حتى من بنات جنسها. فكما يُنهى الرجل عن احتقار أخيه، تُنهى المرأة عن احتقار أختها.
٤. بلاغة التكرار وأثره النفسي:
التكرار في القرآن يُستخدم لتثبيت المعنى في النفوس. فذكر النساء بعد القوم يُعَدُّ تنبيهاً مكرراً يلفت الانتباه إلى خطورة السخرية، ويجعل المخاطَب يُعيد التفكير في سلوكه، سواء كان رجلاً أم امرأة.
٥. التسوية في التكليف:
الإسلام يسوي بين الرجل والمرأة في الواجبات والحقوق، فكما أن الرجل مُطالَب بضبط لسانه، فكذلك المرأة. وهذا التخصيص يؤكد أنها ليست مستثناة من التشريع، بل هي شريكة في التكليف والمسؤولية.
٦. الجانب التربوي:
قد يُفهم من التخصيص أن العلاقات بين النساء تحتاج إلى عناية مضاعفة؛ لأنها غالباً ما تكون أكثر تعقيداً بسبب التفاصيل الدقيقة في التعاملات اليومية. فالسخرية بينهن قد تتحول إلى عداوة مستترة تُهدِّد السلم الاجتماعي.
خاتمة:
النهي القرآني عن السخرية – مع تخصيص النساء – يُعَدُّ درساً في العدالة الاجتماعية والتربوية، حيث يراعي القرآن طبيعة النفس البشرية والواقع المجتمعي. وهو توجيهٌ يُعزز الوحدة، ويُذكِّر بأن التفاضل بين الناس ليس بالمظهر أو الجنس، بل بالتقوى والعمل الصالح، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13).
تربية، فكر، نهضة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة