مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (129)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


16/01/2024 القراءات: 209  


ديباجة "السر الأسرى"
قال ابنُ عقيلة المكي (ت: 1150) في "السر الأسرى في معنى سبحان الذي أسرى":
"بسم الله الرحمن الرحيم الحي القيوم الأزلي الأبدي السرمدي، الذي كان قبل أن يكون شيء من الكون، لا إله إلا هو، تقدَّس عن نعت الواصفين، وتنزه عن مدارك المدركين، وتعالى عن معارف العارفين، لا تحيط به عبارة، ولا تميز حقيقته إشارة، نحمده ونستعينه ونستمنحه ونستلطفه ونستفتحه ونستوهب منه، إنه واهب الفيض، ومفيض السر، ومبدع المعاني، وفاطر الصور والمباني، ومقدس الذوات، ومرقي الصفات إلى أعلى الحضرات، وجاذب القلوب إلى حضرة الغيوب بحقيقة رقيقة، {وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم} مغني الماهيات الناسوتية بتجلي مظاهره اللاهوتية، ومبدل النعوت الخلقية بتجلي الصفات الحقيقية، كاشف الأسرار لأهل الأنوار من خاصة الخاصة أهل الاعتبار، تعرج إليه به أرواح المحبين، وتسري إلى حضرته أسرار المقربين، اختص حبيبه ووليه وصفيه محمدًا عبد حضرته بالمعراج إلى قاب قربه ومحتد حبّه، وشرَّفه بمشاهدة الآيات، وكرَّمه بمعارف الكرامات، صلى الله عليه، وعلى آله أهل الفتوة والرعاية والهداية والعناية، وعلى أصحابه أصحاب السعادة والسيادة، والرياسة والنفاسة، وعلى التابعين إلى يوم الدين".
***
وفاة عالم:
توفي صباح يوم الأحد (2) مِنْ رجب (1445) = (14 / 1 / 2024م) الشيخ فاروق بشر، وقد نعاه د. محمد أبو الفتح البيانوني فقال:
"أيها الأحبة: أعزي نفسي وأحبابي خاصة، وإخواني المسلمين في تركيا والعالم الإسلامي عامة بوفاة أخ كريم، وصديق عزيز، صباح هذا اليوم، فضيلة الأستاذ الشيخ الدكتور فاروق بشر رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وغفر له، وجعله في عليين.
وهو سليل أسرة تقية صالحة، وعالم بارز مشهور من علماء تركيا الأفاضل، وأستاذ في الفقه المقارن، وصاحب عناية بتفسير القرآن الكريم، ومفكر إسلامي كبير.
سعدتُّ بالتعرُّف عليه منذ أوائل الثمانينات، وتمكنتْ صداقتنا وتعاوننا فيما بيننا وبين أسرتينا والحمد لله، واستمرتْ سنين طويلة ولا زالتْ حتى توفاه الله عز وجل اليوم بعد مرض مفاجئ ألم به أيامًا في بلدة (المعشوقية) القريبة من مدينة (إزمت) في تركيا وقد بلغ (72) سنة من العمر. أسأل الله عز وجل: أن يعوض الأمة عنه خيرًا، وأن يحسن خلفته في أهله وأولاده وذويه الأفاضل، وأن يلهمهم الصبر والسلوان، وأن يبارك في عمر الأخ الأكبر له صديقنا الحاج الفاضل: صادق بشر -حفظه الله - وأن يجمعنا به في جنان الخلد. وعظم الله أجرنا وأجركم جميعًا. وحسبنا الله ونعم الوكيل. آمين. والحمد لله رب العالمين".
***
تعليق على "مقدمة لا تشبه المقدمات":
د. عباس زغنون: "قد كنتُ منذ سنوات لاحظتُ عظمة وبديع "المقدمة" لكثير من الكتب، وفي بعضها تكون المقدمة بغير عنوان، بل بها يفتتح الكتاب، وكنتُ أرجو بعض المشايخ في بعض الجلسات أن يقرأ عينا مقدمة بعض كتب مختارة، مع تعليق يسير عليها! ويحضرني الآن ذكر مثال على ذلك وهو مقدمة "كتاب الكليات للكفوي"!
عبدالحكيم الأنيس: حقًّا، هناك مقدمات روائع، فيها منهجيةٌ عاليةُ المستوى، منها مقدمة ابن الأثير لكتابه "النهاية في غريب الحديث والأثر".
***
أخاف لا:
استعمل بعضُ العلماء هذا الأسلوب، ولا سيما الذهبي، وقد يتحرف لقلة استعاله فليُنتبه إلى ذلك:
قال في «تاريخ الإسلام - ت تدمري» (15/ 119): «وهذا أخاف لا يكون موضوعًا، وما فيه مجروح سوى الحسن».
وقال في «ميزان الاعتدال» (3/ 653)" ترجمة سعد بن طريف": «وأنا ‌أخاف لا يكون من وضع شيخ ابن عدي أو أدخل عليه». لكن في نسخة "الشاملة" (2/124): "أخاف أن يكون"!
وجاء في «مختصر تلخيص الذهبي» (1/ 259): «حديث علي -كرم الله وجهه - في الدعاء والصلاة لنسيان القرآن. قال: صحيح على شرطهما. قلتُ: هذا حديث منكر شاذ ‌أخاف ‌لا يكون موضوعًا، وقد حيَّرني والله جودة سنده، فإنه ليس فيه إلا الوليد بن مسلم وقد قال حدثنا ابن جريج».
وجاء فيه أيضًا (4/ 2028): «حديث أبي إبراهيم الترجماني، عن إسحاق بن حرب في صفة أبي الدرداء. قلتُ: ‌أخاف ‌لا يكون سقط من سنده».
وفي «تبصير المنتبه بتحرير المشتبه» (3/ 1166) في "القرظي": «ومن المتأخرين: عمر بن القاسم الأدمي المصري القرظي، روى عن بكير بن الحسن الرازي، وعنه أبو علي الوخشي؛ قال الذهبي: ‌أخاف ‌لا يكون بمهملة؛ لكن ذكره الفرضي في المعجمة».
وقال الذهبي في ترجمة محمد بن محمد، الشريف المرتضى في «تاريخ الإسلام - ت بشار» (10/ 465):
«قال [السمعاني]: سمعتُ أبا المعالي محمد بن نصر الخطيب: إنَّ الشريف عمل بستانًا عظيمًا، فطلب ملكُ سمرقند وما وراء النهر الخضر خاقان أن يحضر البستان [أي يعده لمجلس لهو]، فقال الشريف السيد لحاجب الملك: لا سبيل إلى ذلك، فألح عليه، فقال: لكن لا أحضر، ولا أهيئ آلة الفسق والفساد لكم، ولا أفعلُ ما يعاقبني الله عليه في الآخرة. فغضب الملكُ، وأراد أن يمسكه، فاختفى عند وكيلٍ له نحو شهرين، ونُودي عليه في البلد، فلم يظفروا به. ثم أظهروا الندمَ على ما فعلوا، فألح عليه أهلُه حتى ظهر، وجلس على ما كان مدة. ثم إن الملك نفذ إليه يطلبُه ليشاوره في أمرٍ، فلما استقر عنده أخذه وسجنه، وأخذ جميعَ ما يملكه من الأموال والجواهر والضياع، فصبر وحمد الله، وقال: مَنْ يكون من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بد وأنْ يبتلى، وأنا ربيتُ في النعمة، وكنتُ ‌أخاف ‌لا يكون وقعَ خللٌ في نسبي، فلما وقع هذا فرحتُ، وعلمتُ أن نسبي متصل!
قال لنا أبو المعالي: فسمعنا أنهم منعوه من الطعام حتى مات جوعًا. ثم أُخرج من القلعة ودُفن. وهو مِن ولد زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه».
وفي «ميزان الاعتدال» (1/ 47): «إبراهيم بن عبدالواحد البكري.لا أدرى مَن هو ذا. أتى بحكاية منكرة، ‌أخاف ألا تكون من وضعه». كذا! والصواب: أخاف لا تكون.
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع