مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


ليس كل محرم نجس

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


09/08/2023 القراءات: 454  


ليس كل محرم نجس

يقول الإمام الصنعاني في سبل السلام : ( والحق أن الأصل في الأعيان الطهارة ، وأن التحريم لا يلازم النجاسة ، فإن الحشيشة محرمة وهي طاهرة ، وأما النجاسة فيلازمها التحريم ، فكل نجس محرم وليس العكس ، وذلك لان الحكم في النجاسة هو المنع عن ملامستها على كل حال ، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها ، بخلاف الحكم بالتحريم ، فإنه يحرم لبس الحرير والذهب وهما طاهران ضرورة وإجماعا )

إذا عرفنا هذا فتحريم الخمر الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه نجاستها ، بل لابد من دليل آخر عليه ، وإلا بقيا على الأصول المتفق عليها من الطهارة ، فمن ادعى خلافه فالدليل عليه .

ما حكم خلط بعض الأدوية بشيء من الكحول؟

يقول ابن عثيمين رحمه الله : وأما خلط بعض الأدوية بشيء من الكحول، فإنه لا يقتضي تحريمها، إذا كان الخلط يسيراً لا يظهر له أثر مع المخلوط، كما أن على ذلك أهل العلم

قال في المغني ص 306 جـ 8ط المنار: وإن عُجن به (أي بالخمر) دقيقاً ثم خبزه وأكله لم يحد، لأن النار أكلت أجزاء الخمر فلم يبق إلا أثره.أ.هـ.

وفي الإقناع وشرحه ص 71 جـ 4ط مقبل: ولو خلطه -أي المُسكر- بماءٍ فاستهلك المسكر فيه أي الماء، ثم شربه لم يُحدَّ، لأنه باستهلاكه في الماء لم يسلب اسم الماء عنه، أو داوى به -أي المسكر- جرحه لم يُحدَّ، لأنه لم يتناوله شرباً ولا في معناه.أ.هـ. وهذا هو مقتضى الأثر والنظر.

أما الأثر فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الماء طهور لا ينجسه شيء إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه”، وهذا وإن كان الاستثناء فيه ضعيفاً إلا أن العلماء أجمعوا على القول بمقتضاه، ووجه الدلالة منه أنه إذا سقط فيه نجاسة لم تغيره فهو باقٍ على طهوريته، فكذلك الخمر إذا خلط بغيره من الحلال ولم يؤثر فيه فهو باقٍ على حله.

وفي صحيح البخاري تعليقاً ص 64جـ 9ط السلفية من الفتح :

قال: أبو الدرداء في المري ذبح الخمر، النينان والشمس جمع نون وهو الحوت

، المري أكله تتخذ من السمك المملوح يوضع في الخمر ثم يلقى في الشمس فيتغير عن طعم الخمر، فمعنى الأثر أن الحوت بما فيه من الملح، ووضعه في الشمس أذهب الخمر فكان حلالاً.

وأما كون هذا مقتضى النظر: فلأن الخمر إنما حرمت من أجل الوصف الذي اشتملت عليه وهو الإسكار، فإذا انتفى هذا الوصف انتفى التحريم، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما إذا كانت العلة مقطوعاً بها بنص أو إجماع كما هنا.

وقد توهم بعض الناس أن المخلوط بالخمر حرام مطلقاً ولو قلَّت نسبة الخمر فيه، بحيث لا يظهر له أثر في المخلوط، وظنوا أن هذا هو معنى حديث: “ما أسكر كثيره فقليله حرام”، فقالوا: هذا فيه قليل من الخمر الذي يسكر كثيره فيكون حراماً، فيقال هذا القليل من الخمر استهلك في غيره فلم يكن له أثر وصفي ولا حكمي، فبقي الحكم لما غلبه في الوصف.

وأما حديث: “ما أسكر كثيره فقليله حرام”، فمعناه أنه إذا كان الشراب إن أكثر منه الشارب سكر، وإن قلل لم يسكر فإن القليل منه يكون حراماً؛ لأن تناول القليل وإن لم يُسكر ذريعة إلى تناول الكثير، ويوضح ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام”.
* الفرق: مكيال يسع ستة عشر رطلاً.
ومعنى الحديث أنه إذا وجد شراب لا يُسكر منه إلا الفرق، فإن ملء الكف منه حرام فهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “ما أسكر كثيره فقليله حرام”.


ليس كل محرم نجس


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع