مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين صفية بنت حيي (رضي الله عنها)(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


25/04/2023 القراءات: 241  


خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خيبر باتجاه المدينة، ولم يعرس بصفية، وقد أردفها وراءه على بعير، وشدها بثوبه، وجعلها من خاصة نسائه. فلما صار إلى منزل يقال له تبار على بعد ستة أميال من خيبر، مال عليه الصلاة والسلام يريد أن يبني بها، فأبت عليه، فوجد في نفسه..! فلما كان بالصهباء بعد ذلك قال لها: ما حملك على الذي صنعت حين أردت أن أنزل المنزل الأول وأدخل بك؟ قالت (رضي الله عنها): خشيت عليك قرب يهود!! فزادها ذلك عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محبة وتقديراً. لقد تغلغل الإيمان وامتلك حبُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ناصية فؤادها، فباتت تخشى عليه وعلى دعوته ودينه من أذى قومها اليهود، لأنها تعرف ما انطوت عليه نفوسهم من الغدر.
أبو أيوب الحارس
وسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقع أقدام تطيف بالمكان الذي أعرس فيه بصفية، واستمر ذلك إلى الفجر، فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخباء وجد أبا أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) شاهراً سيفه لا يفتأ يدور حول المكان… فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن سبب تأخره عن الركب فأخبره أبو أيوب أنه كان يخشى عليه من صفية، وما أمر الشاة المسمومة التي صنعتها زوجة سلام بن مشكم ببعيد فطمأنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشهد لصفية بحسن الإسلام، ودعا لأبي أيوب بخير.
عائشة الغيور
ويروى أنه لما اجتلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صفية (رضي الله عنها) رأى عائشة وسط الناس، وكان ذلك في بيت من بيوت حارثة بن النعمان الأنصاري الذي احتشد بنساء الأنصار القادمين لرؤية صفية. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لعائشة: كيف رأيتها يا عائشة؟ فقالت: رأيت يهودية!! فقال عليه الصلاة والسلام: لا تقولي هذا يا عائشة، فإنها قد أسلمت وحسن إسلامها، ولقد حدث من عائشة (رضي الله عنها) أكثر من حادث بحق صفية يدل على غيرتها الشديدة منها.
مكانتها بين أزواجه (صلى الله عليه وآله وسلم)
كان من عظيم أخلاقه وحسن حكمته (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أنزل صفية من قلبه ونفسه وأهله منزلاً كريماً طيباً… فقد كانت ابنة زعيم قومها، وكانت رضية الأخلاق كريمة الصفات، وأيضاً قد أسلمت واختارت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالأولى أن تكافأ على ذلك كله، وتقدر من أجله. كان إذا خرج لغزوة يغزوها يقرع بين نسائه، ومنهن صفية ويسهم لها كما يسهم لهن من الفيء والغنيمة، ويقسم لها كما يقسم لهن. ويروى أنه قسم لها يوم خيبر وأطعمها ثمانين وسقاً تمراً وعشرين وسقاً شعيراً أو قمحاً. حدث زيد بن أسلم (رضي الله عنه) قال: إن نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في الوجع الذي توفي فيه، فاجتمع إليه نساؤه، فقالت صفية (رضي الله عنها): أما والله يا نبي الله، لوددت أن الذي بك بي. فغمزنها أي أزواج النبي وأبصرهن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لهن: مضمضن.. فقلن: من أي شيء يا رسول الله؟ فقال: من تغامزكن بصاحبتكن… والله إنها لصادقة!!
صفية الرقيقة الشعور، المرهفة الإحساس
حين حدثت الفتنة أيام عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وحوصر في داره من قبل الثائرين، كانت رضي الله عنها إحدى المدافعات عنه، المنافحات عن كرامة منصب الخلافة، الداعية إلى إحقاق الحق وإزهاق الباطل، المطالبة بالروية والاعتدال وعدم سفك وإراقة الدماء. وقد اضطرت يوم أن هوجم (رضي الله عنه) في داره، وتكاثر الثائرون على بابه، أن تركب بغلتها وتقود فئة من المدافعين بنفسها. إذ روى أحد شهود ذلك اليوم قال: كنت أقود بصفية لترد عن عثمان، فلقيها الأشتر (جاء في الرواية أن اسمه كنانة) فضرب وجه بغلتها حتى مالت، فقالت ردني… لا يفضحني هذا!! وحين اشتد الحصار عليه، فمنع عنه الطعام والشراب، اتخذت خشباً كالعارضة أو الجسر من سطح دارها إلى داره، وراحت تنقل إليه من فوقه الماء والطعام… فقد كانت تريد أن تدفع الأذى والفتنة عن المجتمع الإسلامي، والسلطة التي يمثلها الخليفة أيا كان هذا الخليفة.
بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
أقامت (رضي الله عنها) بعد لحوق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرفيق الأعلى في خاصة دارها -حجرتها-، عابدةً تصلي وتصوم وتقوم، وتفعل الخير، وتبذل من ذات يدها كل ما تقدر عليه، وكان كبار صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقدرونها وفاءً منهم لنبيهم، ويحترمونها إخلاصاً منهم لشعوره (صلى الله عليه وآله وسلم) وحبه لصفية التي آمنت وأسلمت صادقة. كانوا يزورونها في بيتها، ويسألونها حاجتها، ويقدمون لها كل ما يلزم، إن احتاجت لأمر أو شيء من الشؤون الدنيوية، ويجلونها في رأيها، ويستشيرونها إذا ما حزب أمر.
الوصية والوفاة
روى أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: ورثت صفية مائة ألف درهم بقية أرض، فأوصت لابن أختها وهو يهودي بثلثها. فأبوا أن يعطوه وينفذوا وصية صفية، وكانت لا تزال على قيد الحياة، فكلمت في ذلك عائشة (رضي الله عنها)، فأرسلت إلى من يعنيهم الأمر تقول: اتقوا الله وأعطوه وصيته، فأخذ ثلثها (أي الوصية). وكانت لها دار فتصدقت بها في حياتها. ولما كان في العام الثاني والخمسون من الهجرة، وكانت صفية (رضي الله عنها) قد جاوزت العقد السادس من العمر، اعتلّت، ثم وهنت، وعانت من أعراض وأوجاع المرض، ثم وافاها الأجل، وكان ذلك في خلافة معاوية بن أبي سفيان ودفنت بالبقيع.
رضي الله عن أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب وتقبلها بقبول حسن، وبوأها من لدنه أرفع الدرجات وأسماها، وألحقنا بالصالحين من عباده.


سلسلة أمهات المؤمنين صفية بنت حيي (رضي الله عنها)(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع