مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (124)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


12/01/2024 القراءات: 466  


عبير التشطير:
قلتُ في (16 من شوال سنة 1401) مشطرًا البيتين الشهيرين:
في حالة البُعد روحي كنتُ أرسلها ... تقـبِّلُ الأرضَ عـني فهْي نـائبتي
وهـذه نـوبةُ الأشبـاح قـد حـضرتْ ... فامددْ يمينَك كي تحظى بها شفتي:
***
(في حالة البُعد روحي كنتُ أرسلُها) ... نحوَ الحبيب رجاءَ الوصلِ والصِّلةِ
حتى إذا وقفتْ في الروضِ خاشعةً .... (تقـبِّلُ الأرضَ عـني فهْي نـائبتي)
(وهـذه نـوبةُ الأشبـاح قـد حـضرتْ) ... وزهرة العُمْرِ والآمالِ قد جَنَتِ
تبغي القبولَ وترجو القربَ مِنْ لَهَفٍ ... (فامددْ يمينَك كي تحظى بها شفتي)
وقلتُ في ذلك التاريخ أيضًا:
(في حالة البُعد روحي كنتُ أرسلُها) ... في نشرِ حاضِرةٍ أو طي غائِبةِ
الشوقُ يحملُها حتى إذا وصلتْ ... (تقـبِّلُ الأرضَ عـني فهْي نـائبتي)
(وهـذه نـوبةُ الأشبـاح قـد حـضرتْ) ... وعن سوى قصدِها واللهِ قد لَهَتِ
ثارَ الغرامُ وضجَّ القلبُ مُحترقًا ... (فامددْ يمينَك كي تحظى بها شفتي)
***
العادة محكمة:
أرسل إلي الدكتور محمد الفارسي مستطلعًا رأيي:
(من تأثير العادات في أحكام ثقافات الشعوب.
مفهوم العادة والعرف:
قال الإمام القرافي المالكي (ت ٦٨٤) في "تنقيح الفصول في علم الأصول":
" العوائد والعادة: غلبة معنى من المعاني على الناس.
وقد تكون هذه الغلبة في سائر الأقاليم،...، وقد تكون خاصة ببعض البلاد...، وقد تكون خاصة ببعض الفِرَق...، فهذه العادة يُقضى بها عندنا". انتهى.
ومما تؤثر العادة والعرف في حكمه الشرعي:
الفتاوى المتعلقة ببعض الفنون والثقافات الشعبية، كالرقص والتمايل، سواء مع الغناء والموسيقى أو بغيرهما (والخلاف في حكم الموسيقى معتبر عند الفقهاء)، فما هو من المروءات في بلد قد يكون من خوارمها في بلد آخر، وما يعتبر وقارًا ورجولة عند قوم قد يعتبر تكسرًا وتخنثًا عند آخرين.
ونشاهد هنا في هذا الفيديو المرفق مع المقالة فنًّا من الفنون (رقصة العرضة)، وهو رقص شعبي عربي لا يتردد من يحضره أنه من محاسن الفنون الشعبية، وفيه قيم المروءة والرجولة،
ولكن بمجرد أن استبدلت الموسيقى المستخدمة في هذه "العرضة" بموسيقى أخرى من ثقافة أخرى: تحول ذات الأداء لهذه "العرضة" الشعبية من فن جميل رجولي وأخذ شكل الرقص المذموم المعيب في أعين الناس.
ولو رجعنا إلى الرقصة الأصلية التي وضعت تلك الموسيقى الأجنبية لها لربما وجدناها معيبة عندنا ولكنها محتشمة في أعين أصحابها حسب أعرافهم، فلا تأخذُ رقصاتهم وفنونهم حكمَها الشرعي بناء على أعراف بلاد أخرى.
ويعجبني في هذا المعنى ما ذكره الشيخ العالم محمد عياد طنطاوي الأزهري (ت: ١٢٧٨- ١٨٦١م) وهو تلميذ أئمة الأزهر في زمانه، كالإمام الباجوري والإمام حسن العطار ومحمد مرتضى الزبيدي رحمهم الله تعالى جميعًا، حيث كان الشيخ محمد عياد طنطاوي أول مدرس للغة العربية في البلاد الروسية، بطلب من قيصر روسيا وموافقة محمد علي باشا، فأقام في تلك البلاد معلمًا ومكرمًا حتى توفي فيها، وقد وصف ثقافة الروس في أمور الرقص وأنواعه ومناسباته، حتى قال: "وليس في كل هذا ما يخل بالأدب، ولا يشم رائحة الفجور، وإنما هي عوائد وأخلاق لإراحة النفوس من الإرهاق، ولا يصدقُ ذلك إلا مَن رأى، وإن صدّ غيرُه ونأى.
وإذا لم ترَ الهلالَ فسلّمْ.. لأناس رأوه بالأبصار".
[انتهى من كتابه تحفة الأذكيا بأخبار مملكة الروسيا (ص: ٢٨٦)].
ومن فضول القول التنبيهُ على أن هذا مع مراعاة ألا يدخل في تلك الفنون ما يحرم شرعًا، كشرب المسكرات أو الاختلاط الفاحش، ونحوهما، وإنما المقصود هنا التنبيه على اختلاف الأعراف في الأشياء تحسينًا وتقبيحًا وأثر ذلك في الأحكام الشرعية.
كما قال العلامة محمد مولود بن أحمد فال اليعقوبي الشنقيطي (ت: ١٣٢٣):
فالعرف إن صادم أمر الباري ... وجب أن يُنبذ بالبـــراري
إذ ليس بالمفيد جري العيـــــدِ ... بخلف أمر المبدئ المعيدِ
وهذا مما يدلك أن العادة محكمة، وأن ما تراه أو تسمعه لدى الثقافات الأخرى من فنون الغناء والرقص لا ينبغي لك أن تعتبره محرمًا أو مخالفًا للمروءة والوقار لمجرد أنه خالف مألوفاتك الشعبية.
وختامًا، فقد نقل الإمام المحقق السنوسي رحمه الله تعالى (ت: ٨٩٥) في شرحه على صحيح مسلم (١/ ١٣٧) عن بعض الشيوخ في اختلاف الجواب عن السؤال الواحد:
"وأن الفتاوى -كما ذكره المتأخرون- من أنها إذا كانت مبنية على العرف ينبغي أن تتنوع بتنوعه، ولا يوقف فيها مع منصوص المتقدمين التي بنوها على عرفهم المنقضي.
[قال السنوسي:] وهو تحقيقٌ من النظر". انتهى.
والله تعالى أعلم. كتبه: محمد الفارسي. وإن تيسر لكم وقت للقراءة فأحب أخذ رأيكم في المكتوب، حفظكم الله).
فقلت (يوم 11/ 2/ 2023):
هذا الذي قد قلتَه في العادهْ... موافقٌ نصوصَ قوم سادهْ
والفقهُ بحرٌ زاخرٌ بالدُّرِّ... لكنّه يحتاجُ شخصًا يدري
ومَن يكون جاهلًا بالعَومِ... يسرعُ في تفنيدهِ واللومِ
د. محمد الفارسي: ما شاء الله، أحسن الله إليكم ونضر وجهكم، وجعلنا وإياكم من أهل الدراية والعمل، وجزاكم الله خيرًا.
عبدالحكيم الأنيس: وقال شيخنا العلامة الشيخ عبدالمجيد المدرس في "منهج الدراسة" في (شمال العراق)، وهو يذكر شروط طالب العلم:
" -أن لا يستعمل الراديو والمسجل في غير أيام العطل (والجمع والثلاثاء والعيدين)، وأما فيها فلا بأس بقليل حلال، كما لا بأس بأناشيد الحلال بأنواعها، وأنواع لغاتها، وحتى مع الرقص، كما كان ذلك من توصيات وآداب المتعلمين والمأخوذة من السلف الصالحين رحمهم الله تعالى أجمعين وحشرنا في زمرتهم ووفقنا للسلوك في مسلكهم والنهج في منهجهم القويم".
ويقصد بالرقص الدبكة الكردية.
د. محمد الفارسي: ما شاء الله هذا جميل، وهذا ما يحتاجه طالبُ العلم في أيام الراحة لاستعادة النشاط وترقية ذوقه في الكلام ومعاشرة الناس فيكون لطيفا رائقا لا ثقيلا منفرا.
***
التسويف:
في أول أيام طلبي العلم قديمًا قال لي شيخي الشيخ الدكتور عبدالحكيم الأنيس: "التسويف أبو الآفات".
رواء محمود حسين – أمريكا.
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع