مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
هل أنت مفتاح للخير؟ أ.د. محمد محمود كالو
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
14/07/2024 القراءات: 215
هل أنت مفتاح للخير؟
لقد جعل اللَّهُ سبحانه وتعالى لكلِّ مطلوب مفتاحًا يفتح به، فجعل مفتاح الصلاة: الطهور، ومفتاح الحج: الإحرام، ومفتاح البِرِّ: الصدق، ومفتاح العلم: حسن السؤال وحسن الإصغاء، ومفتاح النصر: الصبر، ومفتاح المزيد: الشكر، ومفتاح الفلاح: التقوى، ومفتاح الإجابة: الدعاء، ومفتاح الجنَّة: التوحيد، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مِفْتاح الجنةِ لا إله إلا اللهُ) [رواه أحمد والبزار].
وتعتبر عبارة التوحيد هي مفتاح الجنة لأنّها الأساس في قبول الأعمال، فلا يُقبَل أيّ عملٍ ممن لا يشهدُ أنّ لا إله إلا الله، فالجنّةُ مغلقةً عنه ولن تُفتَحَ إلا لمن يوحّد الله تعالى.
أما مفتاح الخير والشر، فقد جاء عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ) [رواه ابن ماجه].
هكذا يبين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أصناف الناس ويذكر أنهم صنفان: صنف مفتاح للخير مغلاق للشر، وصنف آخر على العكس من ذلك، مفتاح للشر مغلاق للخير.
وإن الواحد منا حين يسمع هذا الكلام ويتأمل في هذا التصنيف النبوي للناس؛ يطرح على نفسه سؤالاً في غاية الأهمية وهو؛ مِن أيِّ الأصناف أنا؟ هل أنا من الذين هم مفاتيح للخير مغاليق الشر، أم العكس؟
لا شك أن الجواب عن هذا السؤال يحتاج منا وقفة صادقة مع النفس ومحاسبة جادة لها وتأمل لتاريخنا الماضي، فعلى كل واحد منا أن ينظر في حاله وأحواله، في سلوكه ومعاملاته، في مخالطته للناس ما شأنه في هذا الأمر؟ أهو مفتاح للخير مغلاق للشر أم العكس؟
فلابد من محاسبةٍ النفس في هذه الحياة قبل يوم الحساب، فما ثَمَ إلا مسلكان: إما إلى طوبى، وإما إلى ويل.
فمن أراد أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر لابد له من أمور يقوم بها:
أولاً: الإخلاص لله جلّ وعلا في الأقوال والأعمال؛ قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].
ومن سنن الله أنه يصرف على عبده المخلِص سبيل الشر ويهديه إلى سبيل الخير، قال الله عزّ وجل عن نبيه يوسف عليه السلام: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].
ثانياً: الدعاء والطلب بأن يجعلنا مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، والله جلّ وعلا لا يخيِّب عبداً دعاه وناداه، ومن أدعية القرآن: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف:89].
ثالثاً: الحرص على أداء الفرائض وبخاصة الصلاة في وقتها؛ فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وبتوفيق الله تعالى يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر.
رابعاً: التحلي بمكارم الأخلاق؛ إذ صاحب الخلق الكريم يمنعه خُلقه عن الشر، ويدفعه إلى الخير، بخلاف سيئ الخلق فإن خلقه السيئ يسوقه إلى الشر.
خامساً: مجالسة الأخيار والأبرار، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ) [رواه أبو داود].
بخلاف مجالس الأشرار فإنها متنزَّل الشياطين، قال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ. تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 221 – 223].
فمن الواجب على كل عاقل يريد أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر أن يحرص على مجالسة الأخيار، قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].
سادساً: النصيحة لعباد الله؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ) [رواه مسلم]؛ لأن النصيحة إذا وُجدت بين الناس عمّ بينهم الخير، ولا يكون الإنسان مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر إلا إذا كان ناصحا لعباد الله تعالى.
فطوبى لمن جعل الله تعالى مفتاح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفتاح الشر على يديه.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وافتح علينا فتوح أهل الخير يا فتاح ويا خير الفاتحين يا رب العالمين.
مفتاح الخير، مفتاح النصر، مفتاح الفلاح، مفتاح العلم، مفتاح الحج
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع