مدونة الدكتور محمد محمود كالو


الفوز في القرآن الكريم، أ.د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


04/08/2023 القراءات: 364  


الفوز في القرآن الكريم
كثيرة هي المفاهيم التي ينبغي أن تصحح في زماننا هذا؛ لما لحق بها من تبديل أو تشويه ناجمين عن الانحرافات أو سطوة الثقافة الغربية الغريبة وقيمها المادية المهلكة، ومن هذه المفاهيم مفهوم الفوز.
يقول ابن منظور: (الفوز النجاء والظفر بالأمنية والخير) وهذا يعني أن الفوز يطلق على معنيين؛ الأول: هو النجاة من المحذور والمرهوب، والثاني: هو الظفر بالمرغوب.
وقال الراغب: فوز: الفوز: الظفر بالخير مع حصول السلامة.
وأحيانًا يستخدم القرآن الكريم بديلاً عن الفلاح كلمة» الفوز «حيث يصف الله تعالى عباده الفائزين في الدنيا والآخرة، ومنه قول الله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185]، وقال سبحانه وتعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20].
ويذكر الله تعالى في القرآن الكريم ثلاثة أنواع للفوز، وهي: (الفوز العظيم، الفوز الكبير، الفوز المبين)، أعلاها العظيم، وأقل منه الفوز الكبير، وأقل منهما الفوز المبين.
1- الفوز المبين: وهو مجرد نجاتك من النار، دون ذكر للجنة، قال الله تعالى: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [الأنعام: 16]، وقد ذكر مرتين في القرآن الكريم، وركن هذا الفوز هو الإيمان مع العمل الصالح، ولكن يدخلهم الله تعالى في رحمته، قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [الجاثية: 30].
2- الفوز الكبير: وهو مجرد دخولك الجنة ولم يذكر الخلود فيها ولا وصف درجة النعيم فيها، وذكر مرة واحدة في القرآن الكريم، وركنه الإيمان مع العمل الصالح، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِير} [البروج: 11]، وفي تقديم المسند من قوله: {لهُمُ جَنَّاتٌ} إفادة القصر عليهم، وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص.
{ذَلِكَ الْفَوْزُ} ولم يقل تلك؛ لدقيقة لطيفة وهي: أن قوله "ذلك" إشارة إلى إخبار الله تعالى بحصور هذه الجنات، ولو قال: "تلك" لكانت الإشارة إلى نفس الجنات، وإخبار الله عن ذلك؛ يدل على كونه راضيًا، والفوز الكبير هو رضى الله تعالى لا حصول الجنة، وحصول الجنات هو الفوز الكبير وحصول رضى الله هو الفوز الأكبر كما قال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72] وإنما لم يقل "تلك"؛ لأن نفس الجنات من حيث هي ليست بفوز، وإنما الفوز حصولها ودخولها.
3- الفوز العظيم: هو الجائزة الكبرى التي يحصل عليها المؤمن، وهو الخلود في الجنة ووصف مساكنها ورضى ألله تعالى على ساكنيها، وقد ذكر ثلاث عشرة مرة في القرآن الكريم، وثلاث مرات بصيغة {فَوْزًا عَظِيمًا} وركنه الإيمان والعمل الصالح مع مكارم الأخلاق وأهمها الصدق، قال الله تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 19].
ومنه قول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100]، وهذه الآية الفريدة في القرآن الكريم التي ورد فيها أن الأنهار تجري تحت الجنان بدون حرف "من" بينما "تجري من تحتها" وردت 36 مرة حسب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وفي ذلك إشارة إلى خصوصية هذه الفئة من كبار الصحابة الذين أقام الله الدين على أيديهم، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وعبارة "تجري تحتها" بدون "من" إشارة إلى أنها جنات مخصوصة تحيط بها المياه من كل الجوانب كالجزيرة البحرية في الدنيا، وليست مجرد أنهار تجري على اليابسة.
أما مفهوم الفوز عند الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، فعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَقْوَامًا مِن بَنِي سُلَيْمٍ إلى بَنِي عَامِرٍ في سَبْعِينَ [أي: سَبعينَ رجُلًا مِن القُرَّاءِ]، فَلَمَّا قَدِمُوا قالَ لهمْ خَالِي [وكان حَرامُ بنُ مِلْحانَ خالُ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنهما أميرًا عليهم]: أَتَقَدَّمُكُمْ؛ فإنْ أَمَّنُونِي حتَّى أُبَلِّغَهُمْ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإلَّا كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا، فَتَقَدَّمَ فأمَّنُوهُ، فَبيْنَما يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ أَوْمَؤُوا إلى رَجُلٍ منهمْ فَطَعَنَهُ، فأنْفَذَهُ، فَقالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ! فُزْتُ ورَبِّ الكَعْبَةِ! [رواه البخاري].
قال القاتل: ما الفوز الذي فازه؟ قيل له: الشهادة، فكانت هذه الكلمة سبباً في إسلامه.
اللهم اجعلنا من الفائزين المفلحين يارب العالمين، آمين.


الفوز ، القرآن الكريم، الفوز المبين، الفوز الكبير، الفوز العظيم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع