مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


رَمضْان؛أرواحنا ظَمأى وفَوقَ أكفِّكَ الرَّيانُ(35)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


07/04/2023 القراءات: 203  


ينبغي لمن يرجو العتق في رمضان من النار: أن يأتي بأسبابٍ توجبُ العتق من النار؛ كان أبو قلابةَ يُعتقُ في آخر الشهر جارية حسناء مزينةً، يرجو بعتقها العتق من النار.
وتقدم في حديث سلمان: «من فطر فيه صائمًا، كان مغفرةً لذنوبه، وعتقًا لرقبته من النار، ومن خفّف عن مملوكه، كان له عتقًا من النار» وفيه: «فاستكثروا فيه من أربع خصالٍ: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء لكم عنهما، فأمَّا الخصلتان اللتان ترضون بهما ربَّكم: فشهادةُ أن لا إله إلا الله، والاستغفار؛ وأما اللتان لا غناءَ لكم عنهما: فتسألون الله الجنةَ وتستعيذون به من النّار» فهذه الخصالُ كلٌ منها سببٌ للعتق والمغفرة.
فأما كلمةُ التوحيد فإنها تهدم الذنوب وتمحوها، ولا تُبقي ذنبًا ولا يسبقُها عمل، وهي تعدلُ عتق الرِّقاب الذي يوجب العتق من النار، ومن أتى بها أربع مرات- حين يصبح وحين يمسي- أعتقه الله من النار، ومن قالها مخلصًا من قلبه حرمه الله على النار.
وأما كلمة الاستغفار: فمن أعظم أسباب المغفرة، فإن الاستغفار دعاءٌ بالمغفرة، ودعاءُ الصائم مستجابٌ في حال صيامه وعند فطره.
قال الحسن: أكثروا من الاستغفار. فإنكم لا تدرُون متى تنزلُ الرَّحمةُ؛ وقال لقمان لابنه: يا بنيَّ عوِّد لسانك الاستغفار. فإن لله ساعاتٍ لا يردُ فيها سائلًا؛ وفي الأثر: إن إبليس قال: أهلكتُ الناس بالذُّنوبِ، وأهلكوني بلا إله إلا الله، والاستغفار.
والاستغفارُ: ختامُ الأعمال الصالحة كلِّها، فتختم به الصلاة والحج وقيامُ الليل، وتختم به المجالسُ، فإن كانت ذكرًا، كان كالطابع عليها، وإن كانت لغوًا كان كفارةً لها؛ فكذلك ينبغي أن يُختم صيامُ رمضان بالاستغفار؛ وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار: يأمرُهم بختم رمضان بالاستغفار، والصدقة، صدقةِ الفطر؛ فإن صدقة الفطر طُهرةٌ للصائم من اللغو والرفث، والاستغفارُ يرقِّعُ ما تخرَّقَ من الصيام باللغو والرفث.
قال عُمر بنُ عبد العزيز، في كتابه: قُولوا كما قال أبُوكم آدمُ - عليه السلام -: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقولوا كما قال نوحٌ - عليه السلام -: {إِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
وقولوا كما قال موسى - عليه السلام -: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} وقولوا كما قال ذو النون: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} .
الصِّيامُ: جُنةٌ من النار ما لم يخرِّقها، والكلام السيءُ يخرِّقُ هذه الجُنة، والاستغفارُ يرقِّعُ ما تخرق منها.
أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عائشة ليلة القدر بسؤال العفو؛ فإنَّ المؤمن يجتهدُ في شهر رمضان في صيامه وقيامه، فإذا قَرُبَ فراغه وصادف ليلة القدر لم يسأل الله إلاَّ العفو، كالمسيء المقصِّر.
قال يحيى بنُ معاذ: ليس بعارفٍ من لم يكن غايةُ أمله من الله العفو، من استغفر بلسانه وقلبُه على المعصية معقود، وعزمُه أن يرجع إلى المعصية بعد الشهر ويعود، فصومُه عليه مردود، وبابُ القبولِ في وجهه مسدود.
قال كعبٌ: من صامَ رمضانَ، وهو يحدِّث نفسهُ إذا أَفطر بعد رمضان: عصى ربَّه، فصيامُه عليه مردُود. ومن صامَ رمضان، وهو يحدث نفسه إذا أفطر بعد رمضان أن لا يعصي الله: دخل الجنة بغير حساب ولا مسألة.
وأما سؤالُ الجنةِ والاستعاذةُ من النار: فمن أهمِّ الدعاءِ. قال - صلى الله عليه وسلم -: «حولها نُدَنْدِن» فالصائمُ يُرجى استجابة دعائه، فينبَغي أن لا يدعو إلا بأهم الأمور.
وفي الحديث: «تعرضوا لنفحات ربِّكم، فإن لله نفحاتٍ من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده» فمن أصابته سعدَ سعادة لا يشقى بعدها أبدًا.
فإن أعظم نفحاته: مصادفةُ ساعة إجابةٍ، يسأل العبدُ فيها الجنة والنجاةَ من النار، فيجابُ سُؤالهُ، فيفوزُ بسعادة الأبد، قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ
فَازَ} .
ليس السعيد الذي دنياه تسعِدُه ... إن السعيدَ الذي ينجُو من النار

عباد الله، شهرُ رمضان قد عزم على الرحيل، ولم يبق منه إلَا القليل، فمن كان منكم أحسن فعليه بالتَّمام، ومن كان فرَّط فليختمه بالحسنى، فالعملُ بالختام، فاغتنموا منه ما بقي، وودِّعوهُ بأزكى تحيةٍ وسلام.
قُلوبُ المتَّقين إلى هذا الشهر تحِنُّ، ومن ألمِ فراقه تَئنُّ،
إذا كان هذا جزعُ من ربح فيه، فكيف بمن خسر في أيامه ولياليه؟ ماذا ينفعُ المفرطُ فيه بكاؤه، وقد عظمتْ فيه مصيبتُه وجلَّ عزاؤه؟
كم نُصِحَ المسكينُ فما قبلَ النُّصحَ، كَم دُعيَ إلى المصالحة فما أجاب إلى الصُّلح؟ كما شاهد الواصلين فيه، وهو متباعدٌ، كم مرَّت به زُمرُ السائرين وهو قاعد؟ حتى إذا ضاق به الوقتُ، وحاقَ به المقتُ، ندِمَ على التفريط حين لا ينفعُ النَّدم.

فنفسَك لُمْ، ولا تَلُمِ المطايا ... ومُتْ كَمَدًا، فليس لك اعتذارُ

شهرَ رمضانَ ترفَّق، دموُع المحبين تدَفَّق، قُلوبُهم من ألمِ الفراق تشقَّق، عسَى وقفةٌ للوداعِ تُطفي من نار الشوق ما أَحرَق، عسَى ساعةُ توبةٍ وإقِلاعٍ ترفو من الصيام كلَّ ما تخرَّق، عسَى مُنقَطعٌ عن رَكب المقبولين يَلْحق، عسى أسيْرُ الأوزارِ يُطلَق، عسَى مَنْ استوجبَ النار يُعتق.

عسَى وعسَى مِن قَبلِ وقتِ التَّفرقِ
إلى كُلِّ مَا نَرجُو مِنَ الْخَيْرِ نَرْتَقِي
فيُجبرُ مَكسورٌ، ويُقبل تَائبٌ
ويُعتَقُ خَطّاءٌ، ويُسعَدُ مَنْ شَقِي

****


رَمضْان؛أرواحنا ظَمأى وفَوقَ أكفِّكَ الرَّيانُ(35)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع