مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


كيف تبنى الأوطان؟ - عاشراً: الشورى -

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


22/02/2025 القراءات: 4  


كيف تبنى الأوطان؟ - عاشراً: الشورى -
من أهم أسس بناء الدولة الشورى وهي من أركان توطيد الحكم الرشيد، والوصول للرأي السديد، والشورى أمر شرعي من أعظم أوامر الإسلام، ويتأكد العمل بها فيما أشكل من الأمور التي لا يوجد فيها نص من الوحي، فقد قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159].
وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الشورى: 38].
قال الجصاص رحمه الله تعالى: "هذا يدل على جلالة موقع المشورة لذكره لها مع الإيمان وإقامة الصلاة ويدل على أنا مأمورون بها".
{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل: 29 - 32]، فماذا كانت نهاية تلك المشورة؟ الانتهاء لقرار صحيح وحماية لمملكة بلقيس سبأ، وحفظت قومها من الهلاك، بل والفوز بخيري الدنيا الآخرة {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله إن نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر ولا نهي فبم تأمرنا؟ قال: (شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تمضوا فيه رأي خاصة)
[رواه الطبراني في الأوسط].
والأدلة الشرعية من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، مثل استشارته قبيل معركة بدر لمعرفة مدى استعداد أصحابه للقتال، ونزوله على رأي الحباب بن المنذر في اختيار المكان الملائم لنزول الجيش وهو أدنى مقام من ماء بدر، وكذلك بعد المعركة استشار أصحابه في شأن قبول الفداء من أسرى بدر المشركين، وقبل موقعة أحد استشار الأصحاب في شأن الخروج من المدينة، وقبل رأي الكثرة الشباب التي أشارت بالخروج، وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ، فأبى عليه السعدان السعيدين: سعد بن عبادة وسعد بن معاذ رضي الله عنهما، فترك ذلك.
وقد استشارتْ فاطمة بنت قيس رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أمر زواجها، فقالت: ذَكَرتُ للنبي صلى الله عليه وسلم أنَّ معاويةَ بنَ أبي سفيانَ وأبا جَهْمٍ خَطباني، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: (أمَّا أبو جَهْمٍ؛ فلا يَضعُ عصاهُ عن عاتقِهِ، وأمَّا مُعاويةُ فصعلوكٌ لا مالَ لَهُ، انكِحي أسامةَ بنَ زيدٍ، قالَت فكَرِهْتُهُ، ثمَّ قالَ: انكِحي أسامَةَ بنَ زيدٍ فنَكَحتُهُ، فجعلَ اللَّهُ تعالى فيهِ خيرًا كثيرا، واغتَبطتُ بِهِ) [رواه أبو داود].
وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: "وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولاً أو شباناً، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل.
وتكمن أهمية الشورى في حفظ المجتمع من القرارات الخاطئة، تظهر أهمية الشورى في الإسلام من خلال قول الله تعالى لرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159].
وظاهر الأمر في قوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ) يقتضي الوجوب والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالمشاورة؛ أمر لأمته لتقتدي به ولا تراها منقصة.
وكذلك تظهر أهمية الشورى من خلال قول الله تعالى في بيانه ومدحه لصفات المؤمنين المستجيبين لأمره حيث قرن الشورى بالصلاة: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].
فالإنسان في أي موقع من المواقع، مهما بغلت درجة خبرته وعمله، فإنه دائمًا يحتاج إلى مشورة الآخرين؛ ليصل إلى الرأي الأصوب.
فالطبيب الحاذق الماهر، مهما بلغت شهرته وذاع صيته، فإنه أمام بعض الأمراض يحتاج إلى مشورة غيرِه من الأطباء من ذوي الاختصاص؛ لتتحقق الفائدة المرجوة للمريض، وكذلك الفلاَّح في حقله، والصانع في مصنعه، والمهندس في موقعه، وغيرهم، كلٌّ مفتقر إلى المشورة التي تفتح مغاليق الأمور؛ فإن الأفراد متفاوتون في مداركهم وثقافتهم.
قال القرطبي رحمه الله تعالى في التفسير: "قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه، وقد مدح الله المؤمنين بقوله (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وقال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء، والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها".
ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي إذ قال:
الدِّينُ يُسْرٌ والخِلافةُ بَيْعَةٌ وَالأَمْرُ شُورَى وَالحُقُوقُ قَضَاءُ
أما مشروعية الشورى لغير الحكام فما دل عليه القرآن من أهمية شورى الأبوين في فطام الرضيع في قوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة:233]، فحتى حين ينفصلا لا بدَّ من أن يستمر التشاور فيما يتعلق برضاع الأولاد وفطامهم.


بناء الأوطان، الشورى، التشاور، وشاورهم، شورى بينهم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع