مدونة د. محمد سلامة الغنيمي


النقد البناء: فن لا يتقنه إلا العظماء

د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim


14/09/2024 القراءات: 98  



يعد النقد ركيزة أساسية للتطور والارتقاء، إذ يكشف عن نقاط القوة والضعف، ويُسهم في صقل الأفكار وتحسين الأداء. تشير الدراسات إلى أن المؤسسات الناجحة هي تلك التي تشجع على ثقافة النقد البناء، وتستثمر في آليات تقييم الأداء وتطويره. فالنقد البناء، الذي يعتمد على الحقائق والموضوعية، يساهم في تحقيق التقدم والازدهار، ويعتبر جزءًا لا يتجزأ من عملية التعلم والتطور لدى الأفراد والمؤسسات -على حد سواء-.
وفي هذا السياق، تمول المؤسسات الكبرى من ينتقدها؛ حتى يتسنى لها الوقوف على أوجه القصور ومعالجتها، وهذا سر نجاحها، بخلاف المؤسسات الفاشلة التي سرعان ما تختفي من المنافسة، فإنها ترفض النقد وتقاومه.

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية النصيحة والإرشاد، واعتبرها من أسمى الأعمال، وجعل النقد جزءا لا يتجزأ من الدين، بل هو الدين: "إنما الدين النصيحة"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مرآة أخيه" (صحيح)، وعمر كان يقول: رحم الله من أهدى إلي عيوبي.

ومع ذلك، يجب التمييز بين النقد البناء والنقد الهدام. فالهدف من النقد البناء هو الإصلاح والتطوير، بينما يهدف النقد الهدام إلى التشويه والتخريب. ولذلك، يجب أن يكون النقد موضوعيًا وبناءً، وأن يركز على الأفكار والأفعال وليس على الأشخاص.

إن حاجتنا للنقد بقدر حاجتنا للتطوير، فالنقد هو بوصلتنا التي تدلنا على الطريق الصحيح، وهو الوقود الذي يدفعنا إلى الأمام. ولذلك، يجب أن نزرع في نفوسنا حب الحقيقة والبحث عنها، وأن نكون منفتحين على الآراء المخالفة، وأن نستمع إليها بصدر رحب، وأن نستفيد منها في تطوير أنفسنا ومجتمعنا.
في الحقيقة، لا يرفض النقد إلا المتكبرين، أما الحريصون على تطوير أنفسهم والانتباه لأخطائهم فإنهم يطلبون النقد فضلا عن تقبله بصدر رحب.
ولا شك أن الإسراف في مدح المسئولين ذلة للمادح وفتنة للممدوح، وكذلك التركيز على الإيجابيات وغض الطرف عن السلبيات غش للرأي العام وخداع للقائمين على المؤسسات.
كما يجب أن يكون النقد بناء ويعتمد على حقائق ثابتة ويؤدي إلى نتائج واضحة وأن يكون موجها للأفكار نفسها وليس لذوات أصحابها، وإلا صار من النوع الهدام الذي لا يتجاوز الغيبة والنميمة والفتنة.
أخيرا: إن حاجتنا للنقد بقدر حاجتنا للتطوير.


تربية، فكر، نهضة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع