مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
احذروا تقليد قاضي البهائم
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
27/12/2023 القراءات: 444
احذروا تقليد قاضي البهائم
التقليد الأعمى للغرب، ناقوس خطر ينذر باستهداف عقول شباب الأمة وانحدارها، ومن الظواهر البارزة اللافتة للنظر، والتي تقتَضِي من كلِّ عاقلٍ الحذر؛ لما تشتَمِل عليه من نُذُرِ الخطر، ومُوجِبات الشر والضَّرَر، تلك المصيبة العظيمة التي حلت بشباب المسلمين في هذا الزمان، وهي متابعتهم وتشبههم بغير أهل ملَّتهم، وهذا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي سعيدٍ رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (لتتّبِعُن سَنَنَ من كان قبلَكم شِبراً بشِبرٍ وذِراعاً بذِراع، حتّى لو سَلَكوا جُحرَ ضَبٍّ لَسَلكتُموهُ). قلنا: يارسولَ الله، اليهودَ والنصارَى؟ قال: فمَن؟) أي: فمنْ أعني غيرهم [رواه البخاري ومسلم، ورواه الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما وفي آخره: (وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه).
فما أروع هذا التصوير النبوي لهؤلاء المبهورين المهزومين عقديًّا وثقافيًّا بالغرب، أنهم يسارعون لدخول حجر الضب تقليدًا لأسيادهم مع كون ذلك لا فائدة تعود عليهم منه.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم، والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر، وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلّم" [شرح صحيح مسلم: 16/189].
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: "والمقصود من هذه الأخبار عما يقع من الأقوال والأفعال المنهي عنها شرعاً مما يشابه أهل الكتاب قبلنا؛ أن الله ورسوله ينهيان عن مشابهتهم في أقوالهم وأفعالهم حتى لو كان قصد المؤمن خيراً لكنه تشبه، ففعله في الظاهر فعلهم" [البداية والنهاية: 2/142].
وقال المناوي رحمه الله تعالى: "وذا من معجزاته؛ فقد اتبع كثير من أمته سنن فارس في شيمهم ومراكبهم وملابسهم وإقامة شعارهم في الحروب وغيرها، وأهل الكتابيْن في زخرفة المساجد وتعظيم القبور حتى كاد أن يعبدها العوام، وقبول الرشا، وإقامة الحدود على الضعفاء دون الأقوياء، وترك العمل يوم الجمعة " [فيض القدير: 5/262].
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "ذكر الضب هنا؛ لأنه يُقال له: "قاضي البهائم!"، والتخصيص بجحر الضب؛ لشدة ضيقه ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم، واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لتبعوهم... ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح: «لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حُلْوَهَا ومُرَّها» [فتح الباري: 15/235].
وهذا التقليد قد بلغ مبلغاً عظيماً هذه الأزمنة بسبب التقدم التقني الذي أحرزه الغرب مما فتن كثيراً من المسلمين بهم، وساعد في نشر ذلك سهولة نقل هذه الأمور من أقصى الغرب إلى جميع بلاد المسلمين في ثوان معدودة عبر وسائل الإعلام المتنوعة المرئية والمسموعة والشبكة العنكبوتية، فالعالم اليوم أصبح قرية صغيرة، وهذه الاحتفالات التي تحصل في مدن العالم يراها المسلم لحظة بلحظة، ويتنقل من مدينة إلى أخرى كلمح بالبصر.
وكذلك متناقضات الفكر والحياة الغربية تضاعفت مع التقدم التقني والمعلوماتي، من بطالة إلى ارتباك في المناهج التربوية، إلى فشل في المضمون الديمقراطي، وشيوع تجارة المخدرات والمثلية المقيتة، والأمراض الفتاكة والخطيرة كالإيدز وغيره، وتفكك الأسرة؛ والمغالاة في الحرية المتسيبة، والترف والبذخ، والهيمنة الإعلامية الشريرة، فلا تكونوا إمّعة، وحذار من تقليدهم لأن العاقبة ستكون وخيمة على الفرد والمجتمع.
إن تقليد أبنائنا للغرب أصبحت ظاهرة مرضية، فقد اتبعوا الغرب في ملابسهم، وقصات شعورهم، وحركاتهم وطريقة تصرفاتهم في الأكل والشرب والمشي، فاتجهوا إلى الوجبات السريعة، ومشروبات الطاقة، ولم يعد يعجبهم طعام البيت، أو أفكار الأهل، واتخذوا من الموسيقا الغربية والرقص الغربي ملاذاً لهم وهروباً من الواقع، فنجد الشاب يمشي دون هوادة، والسماعات في أذنيه، حتى في أعياد الميلاد، أليس من العجب لمن يوحد الله ويقول: لا إله إلا الله، ويقرأ: {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} كيف يهنئ لمن يقول: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قال (وَيْلٌ للعَرَبِ مِن شَرٍّ قد اقترَبَ، فِتَنًا كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمنًا، ويُمسي كافرًا، يَبيعُ قَومٌ دِينَهم بعَرَضٍ مِن الدُّنيا قَليلٍ، المُتَمسِّكُ يَومَئذٍ بدِينِه كالقابِضِ على الجَمْرِ، أو قال: على الشَّوْكِ) [رواه أحمد].
قال الحسن بعد روايته للحديث: "فواللّه لقد رأيناهم صوراً بلا عقول، وأجساماً بلا أحلام، فراشُ نارٍ، وذبابُ طمعٍ، يغدون بدرهمين، ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن العنز". [رواه عنه أحمد والحاكم].
نعوذ بالله أن نقلد قاضي البهائم، وندخل جحر الضب لأنهم دخلوه..
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اغفر لها وتولها يارب العالمين.
تقليد، قاضي البهائم، الضب، التشبه، ذباب طمع، فراش نار
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع