مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
«غيرتان إحداهما يحبها الله عز وجل، والأخرى يبغضها الله عز وجل...
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
03/06/2023 القراءات: 376
وفي الصحيحين أيضا عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة فخرجنا معه جميعا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الليل سار مع عائشة يتحدث معها فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك فتنظرين، وأنظر قلت: بلى فركبت حفصة على بعير عائشة وركبت عائشة على بعير حفصة فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم، ثم سار معها حتى نزلوا، فافتقدته عائشة فغارت فلما نزلت جعلت تجعل رجليها بين الإذخر وتقول يا رب سلط علي عقربا أو حية تلدغني، رسولك ولا أستطيع أقول له شيئا» .
قال أبو زكريا النووي في شرح مسلم: هذا الذي فعلته، وقالته حملها عليه فرط الغيرة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سبق أن أمر الغيرة معفو عنه انتهى كلامه، وما قاله لا يوافق مذهب الشافعي.
وروى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن عبد الله بن زيد عن الأزرق عن عقبة مرفوعا: «غيرتان إحداهما يحبها الله عز وجل، والأخرى يبغضها الله عز وجل: الغيرة في الريبة يحبها الله، والغيرة في غيرها يبغضها الله عز وجل، والمخيلة إذا تصدق الرجل يحبها، والمخيلة في الكبر يبغضها الله عز وجل وقال: ثلاث دعوات مستجابات دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر» .
ولابن ماجه من حديث أبي هريرة ذكر الغيرة فقط. قيل: يحيى لم يسمع من زيد فدل ذلك على أن هذه الغيرة منهي عنها، ويوافقه ما رواه أحمد والبخاري وغيرهما من حديث أبي هريرة «أنه - عليه السلام - قال له رجل: أوصني قال: لا تغضب فردد عليه قال: لا تغضب» وروى أحمد غير حديث في هذا المعنى، وفي بعضها من رواية حميد عن عبد الرحمن عن رجل من الصحابة أن الرجل قال: ففكرت حين قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله، وروي أيضا من حديث ابن عباس: «علموا ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت ثلاثا» .
وروي عن «عبد الله بن عمر أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ماذا يباعدني من غضب الله عز وجل؟ قال لا تغضب» . فنهيه عنه دليل على دخوله تحت الوسع وإلا لم ينه عن المحال، وما كان سببه محرما أو غير محرم تترتب عليه الأحكام مع وجود العقل إلا المكره لمعنى يختص به، وظهر من هذا أن هذا السبب إن لم يكن معذورا فيه، وزال عقله كان كزواله ببنج ونحوه على الخلاف فيه عندنا، وإلا كان كسكر معذور فيه، ونوم ونحوه، وقد «أتى أبو موسى الأشعري النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحمله فوجده غضبان، وحلف لا يحملهم وكفر» . الحديث. «وسأله رجل عن ضالة الإبل، فغضب حتى احمرت وجنتاه، واحمر وجهه ثم قال: ما لك ولها؟ دعها» الحديث وهما في الصحيحين.
«وكان - عليه السلام - عند بعض نسائه فأهدى بعضهن إليه طعاما فضربت يد الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع الطعام ويقول: غارت أمكم
ثم أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفعها إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرتها.» رواه البخاري من حديث أنس والدارقطني، فصارت قضية من كسر شيئا فهو له وعليه مثله. ولأحمد وأبي داود والنسائي من حديث عائشة - رضي الله عنها - «أخذتني رعدة من شدة الغيرة، فكسرت الإناء، ثم ندمت فقلت يا رسول الله: ما كفارة ما صنعت؟ فقال: إناء مثل إناء، وطعام مثل طعام» .
وروى أبو داود في باب ترك السلام على أهل الأهواء حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني عن سمية عن عائشة أنه «اعتل بعير لصفية بنت حيي، وعند زينب فضل ظهر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزينب: أعطيها بعيرك فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية؟ فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر.» سمية تفرد عنها ثابت؛ ولأنه قول ابن عباس وغيره وقد ظهر من ذلك الجواب عما تقدم مع أنه يحتمل أن الإنكار اختصره الراوي، وأنه كان قد تقدم من النبي فاكتفى به.
والحديث الأخير ليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بذلك، وظهر أيضا الجواب عما قال البخاري: باب إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب، ثم روى قصة الأنصاري لما سمع اليهودي يقول: والذي اصطفى موسى على البشر، فغضب فلطمه، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ لأن الغضب مع وجود العقل لا يسامح بسببه في الأفعال هذا إن لم يكن جزاء هذا الفعل اختصره الراوي من هذه القصة للعلم به ووضوحه، لكنه خلاف الظاهر، ولهذا فهم البخاري خلافه، والله سبحانه أعلم.
وفي الصحيحين من حديث «ابن عباس أنه سأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي - صلى الله عليه وسلم -» وذكر القصة، «ودخول عمر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله: لو رأيتنا يا رسول الله، وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتي يوما، فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عز وجل عليها لغضب رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هي قد هلكت. فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك أوسم منك وأحب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - منك فتبسم أخرى فقلت: أستأنس يا رسول الله؟
قال: " نعم " فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهبا ثلاثة فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله عز وجل، فاستوى جالسا ثم قال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب؟ ، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت: استغفر لي يا رسول الله، وكان قد أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن، حتى عاتبه الله عز وجل على موجدته أي: غضبه» .
«غيرتان إحداهما يحبها الله عز وجل، والأخرى يبغضها الله عز وجل
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع