مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


{وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ}(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


10/01/2023 القراءات: 435  


6 - إن طاعة المؤمنين لأولياء الأمور العادلين الصالحين طاعةٌ مبصرةٌ، ويجوز أن يتوقف المؤمنون -أحياناً- في طاعة الحاكمين المؤمنين، ويجوز أن ينازعوهم ويخالفوهم، ويجوز أن يعارضوهم ويختلفوا معهم لأن الآية تقول: {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَردوهُ إلى اللهِ والرسول}. وكثيراً ما كان المسلمون السابقون وأولو الحَل والعقد فيهم يخالفون حكامهم وينازعونهم ويناقشونهم.
7 - تُبين الآية للحكام والمحكومين طريق حل النزاع بينهم، وتدلهم على المرجع الذي يرجعون إليه ويحتكمون، عند الاختلاف والتنازع، إنها توجب عليهم جميعاً رد الأمر المختَلف فيه إلى الله ورسوله، أي إلى كتاب الله وسنة رسوله.
ولا تمنح الآية الحكام حق إعلان حالة الطوارئ، وفتْح أبواب السجون والمعتقلات، وكبت الحريات، وتكميم الأفواه، وتعطيل القوانين، والقبض على المخالفين والمعارضين، وتعذيبهم، ومحاربتهم في إنسانيتهم وحريتهم ورزقهم وأولادهم وأعراضهم، واغتيالهم وإعدامهم، بل توجب عليهم سماع الرأي المخالف، والاحتكام مع صاحبه إلى الحق، والرجوع عن الخطأ إلى الصواب، ولو كان عند المخالف.
8 - هذا هو الخير والصواب، وهذا هو طريق السعادة والعدل، إن الحاكم عندما يلتزم بتوجيهات الآية، يكون حاكماً صالحاً عادلاً، ويكون حكمه خيراً له وللمحكومين:
قال الإمام أبو الأعلى المودودي عن هذه الآية:
" إنها تحدد المبادئ التي يقوم عليها دستور الدولة، حيث توضح ست نكات دستورية هي:
1 - طاعة الله ورسوله مقدمة على أية طاعة أخرى.
2 - طاعة أولي الأمر تأتي تحت طاعة الله ورسوله.
3 - أن يكون أولو الأمر من المؤمنين.
4 - للناس حق منازعة الحكام والحكومة.
5 - إن الفصل في النزاع هو قانون الله ورسوله.
6 - ضرورة أن توجد في نظام الخلافة هيئةٌ حرةٌ، مستقلةٌ عن نفوذ الشعب وتأثير الحكام، لتقضي في النزاعات طبق القانون الأعلى قانون الله ورسوله ".
وذكر الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس في كتابه " النظام السياسي في الإسلام " ثلاثة شروط لا بد من توفرها عند الحكام لتجب طاعتهم، وعندها نطبق الآية عليهم:
1 - أن يكونوا مطبقين لأحكام الشريعة. فإذا لم يطبقوها فلا طاعة لهم، بل تحرم طاعتهم.
2 - أن يحكموا بالعدل بين الناس. فإذا لم يفعلوا ذلك فلا طاعة لهم.
3 - ألا يأمروا الناس بمعصية. فإذا أمروا بمعصية فلا سمع لهم ولا طاعة.
ونقل أبو فارس قول الإِمام ابن حجر في فتح الباري: " ومن بديع الجواب قول بعض الناس التابعين، لبعض الأمراء من بني أمية لما قال له:
أليس الله أمركم أن تطيعونا في قوله: {وَأولي الأمر منكم}، فقال له: أليس قد نزعت عنكم الطاعة إذا خالفتم الحق بقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
وقال الطيبي: أعاد الفعل في قوله: {وأطيعوا الرسول} إشارة إلى استقلال الرسول عليه السلام بالطاعة، ولم يُعده في أولي الأمر، إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته، ثم بين ذلك بقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}. كَأنَّهُ قيل: فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم، وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله.
وروى أبو عبيد القاسم بن سلاّم، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " حق على الإمام أن يَحكم بما أنزل الله ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك، فحقه على الرعية أن يسمعوا ويطيعوا ".
" والنص يجعل طاعة الله أصلاً، وطاعة رسوله أصلاً كذلك، بما أنه مرسلٌ منه، ويجعل طاعة أولي الأمر منكم تبعاً لطاعة الله وطاعة رسوله، فلا يكرر لفظ الطاعة عند ذكرهم، كما كررها عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ليقرر أن طاعتهم مستمدةٌ من طاعة الله وطاعة رسوله، بعد أن قرر أنهم منكم بقيد الإيمان وشروطه.
وطاعة أولي الأمر منكم بعد هذه الآية والتقريرات كلها في حدود المعروف من شرع الله، والذي لم يرد نصٌّ بحرمته، ولا يكون من المحرم عندما يُرَد إلى مبادئ شريعته عند الاختلاف فيه، والسنة تقرر حدود هذه الطاعة على وجه الجزم واليقين.
في الصحيحين من حديث الأعمش: " إنما الطاعة في المعروف ".
وفيهما من حديث يحيى القطان: " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يُؤمر بمعصية، فإذا أُمِر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ".
وأخرج مسلم من حديث أم الحصين: " ولو استعمل عليكم عبد، يقودكم بكتاب الله اسمعوا له وأطيعوا ".
بهذا يجعل الإسلام كل فرد أميناً على شريعة الله وسنة رسوله، أميناً على دينه، أميناً على نفسه، ويجعله أميناً على مصيره في الدنيا والآخرة. ولا يجعله بهيمة في القطيع تُزجر من هنا أو من هنا فتسمع وتطيع ".
***


{وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ}(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع