مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


{وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ}

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


10/01/2023 القراءات: 601  


{وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ}
قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
يأمر الله المؤمنين بطاعة الله وبطاعة الرسول عليه السلام، وبطاعة أولي الأمر من المسلمين. وإذا حصل اختلافٌ وتنازعٌ بين المسلمين، فعليهم -إنْ أرادوا الوصول إلى الحق- أن يحتكموا إلى الله ورسوله، وذلك بأن يردوا الأمر المختلف فيه إلى الكتاب والسنة، فإن فعلوا ذلك كانوا مؤمنين بالله واليوم الآخر، ونالوا الخير والتوفيق والرضوان.
لكننا قد نسمع -أو نقرأ- لبعض المسلمين، وهم يحرّفون معنى هذه الآية، وهم يستشهدون بها في غير ما توحي به، ولا تدل عليه.
إن هؤلاء يجعلون من الآية حجة على وجوب طاعة ولي الأمر، مهما كانت صلته بدين الله وتطبيقه لأوامر الله، وحكمه بما أنزل الله، إنهم يوردون هذه الآية في معرض استدلالهم على طاعة الحاكمين والسلاطين، وتنفيذ أوامرهم المخالفة لتعاليم الإسلام، كأن يكون فيها منع أداء حق، أو أمر بمعصية ومنكر، أو إيذاء لآخرين وأكل لحقوقهم.
إنهم يعتبرون أنفسهم مجرد موظفين عند المسؤولين، وما عليهم إلا التنفيذ والالتزام والسمع والطاعة. إنهم يُلغون شخصياتهم، ويتنازلون عن حريتهم وكرامتهم، ويتحولون إلى مجرد أدوات توجَّه هنا وهناك، بدون إرادة أو اختيار.
والعجيب أنهم يموّهون على أنفسهم وعلى الآخرين، فيعتبرون تصرفاتهم الشائنة التزاماً بهذه الآية، وُيضْفون عليها معنى العبادة والتقرب إلى الله، ويزعمون أنهم يطيعون أولي الأمر الذين أمرت الآية بطاعتهم. إنه لضلالٌ عريضٌ أن نتلاعب مع القرآن، وأن نقوم بتحريف معاني آياته، وإنه لضلال عريض أن نجعل من الذل والضعف والجبن والمسكنة عبادةً لله، وأن نجعل من التنازل عن الحرية والإرادة والشخصية تقرباً إلى الله سبحانه، وأن نجعل من آيات القرآن حجةً لهذا ودليلاً عليه. ولا يجوز أن ننسى كلاماً رائعاً عظيماً للإمام الشافعي - رضي الله عنه - حيث يقول:
أَنا إنْ عِشْتُ لَسْتُ أَعْدِمُ قوتاً ... وِإذا مِتُ لَسْتُ أَعْدِمُ قَبْراً
هِمَّتي هِمًةُ المُلوك وَنَفْسي ... نَفْسُ حُرٍّ تَرى المَذَلَّةَ كُفْراً
الآية -موضوع البحث- ليست دليلاً على وجوب طاعة أولي الأمر إذا كانوا ظالمين، وإذا أمروا بما يتعارض مع دين الله، ولكنها دليلٌ على عدم طاعتهم في هذه الحالة، وحرمة هذه الطاعة، وتعرُّض فاعلها لغضب الله وعذابه.
إن طاعة أولي الأمر -التي أمرت بها الآية- طاعةٌ مبصرةٌ واعيةٌ رشيدة، وليست طاعةً عمياء، تتم بغفلة وسذاجة. وهي طاعةٌ مقيدةٌ بالتزام أولي الأمر بمنهج الله، وليست مطلقةً تجب لهم مهما كان وضعهم.
إننا عندما نمعن النظر في الآية، نستخرج منها عدة دلالات:
1 - طاعة الله مطلقة، لأنه تجب له الطاعة دائماً، باعتباره لا يأمر إلا بالخير، ولا ينهى إلا عن المنكر والشر، وهو الحكيم العليم الخبير.
2 - طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقة كذلك، لأنه الرسول عليه السلام، لا يأمر بمعصية، ولا ينهى عن خير، فهو معصوم بعصمة الله له من الذنوب والمعاصي والأخطاء، وقد جعل القرآن طاعة الرسول عليه السلام طاعة لله، نقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}.
3 - إن طاعة الله وطاعة رسوله مستقلتان، وكلاًّ منهما تكوِّن وحدةً خاصةً، ومجموعةً محددة، فأصبحتا طاعتين وكيانين ومظهرين وحقيقتين، بينهما تداخلٌ واتصالٌ وارتباط، لذلك كرر فعل الأمر فيهما فقال: {أطِيعوا اللهَ وَأَطِيعوا الرَّسول}. فتكرار فعل الأمر يوحي بأنهما طاعتان متكاملتان.
4 - طاعة أولي الأمر في الآية مقيدة وليست مطلقة، ونأخذ هذا التقييد من صياغة الآية: {أَطِيعوا الله وَأَطِيعوا الرسول وَأولي الْأمْرِ مِنْكُمْ}،
فقد عطف أولي الأمر على رسول الله عليه السلام، فكانت طاعتهم مستمدةً من طاعة رسول الله عليه السلام، ولو كانت طاعتهم مستقلةً مطلقةً عامة لكرر فعل الأمر كما كرره عند الأمر بطاعة رسول الله عليه السلام.
5 - أولو الأمر في الآية مخصوصون متميزون بصفاتٍ خاصةٍ، منها:
(أ) هم مطيعون لله ومطيعون لرسوله وهم منفذون لأوامر الله، مطبقون لسنة رسوله عليه السلام، وهم يستمدون حقهم على الناس في وجوب طاعتهم من طاعتهم هم لرسول الله.
(ب) هم من المؤمنين المسلمين المطيعين لله ولرسوله، ولا يكونون منهم إذا هم عصوا أوامر الله ورسوله، أو حكموا بغير شرع الله وسنة رسوله {وأولي الأمر منكم}.


{وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ}


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع