مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (37)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


28/02/2023 القراءات: 671  


السخاوي الحافظ المؤرخ:
السخاوي علامة جليل، ولكن يدركه أحيانًا الضعفُ الإنسانيُّ فيشكك حتى بنية رجل خرج مجاهدًا في البحر، فيقول: والله أعلم بنيته!
وما عسى تكون نية غاز في أثباج البحر على أسوار الروم!
وقد أغضب السيوطيَّ كذلك، واتهمه في عقله، قائلًا في ختام ترجمته: "فسبحان قاسم العقول"، فاستدعى غضبه فردَّ عليه في "الكاوي". ولهذا نجد الاسم في نسخة: "الكاوي لدماغ السخاوي".
وفي "الضوء" جهدٌ كبيرٌ وبراعةٌ ظاهرةٌ.
وقد يعرو الضوءَ خفوت، ويعترضه سحابٌ.
ورحم الله العلماء، فما الظن بهم إلا أنهم أرادوا الخير، ورُبَّ مجتهد عاد بأجر.
***
أخو ‌رِبعي بن حراش:
قال ابن الجوزي في «صفة الصفوة» (2/ 22):
"ولم يُسمَّ لنا.
عن عبدالملك بن عمير، عن ‌رِبعي بن حراش قال: كنا إخوة ثلاثة، وكان أعبدنا وأصومنا وأفضلنا الأوسط منا. فغبتُ غيبةً إلى السواد. ثم قدمتُ على أهلي فقالوا: أدركْ أخاك فإنه في الموت. فخرجتُ أسعى إليه فانتهيتُ إليه وقد قضى وسُجِّي بثوب، فقعدتُ عند رأسه أبكيه، فرفع يدَه فكشف الثوبَ عن وجهه وقال: السلام عليكم.
قلتُ: أي أخي أحياةٌ بعد موت؟
قال: نعم. إني لقيتُ ربي فلقيني بروح وريحان، وربٍّ غير غضبان، وإنه كساني ثيابًا خُضرًا من سندس وإستبرق، وإني وجدتُّ الأمر أيسر مما تحسبون، ثلاثًا، وإني لقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقسمَ أن لا أبرح حتى آتيه. فعجِّلوا جهازي.
ثم طفئ، فكأنه أسرعُ مِنْ حصاةٍ لو ألقيتْ في ماء».
***
وحي الزّلازل:
قال الأستاذ جمال عزون تحت هذا العنوان:
"صدّعوا رأسَنا بالصّفائح التّكتونيّة وأنّ التقاءها سبب لحدوث الزّلازل، ولسان حالهم يقول: اطمئنّوا أيّها الغافلون ولا ترتاعوا، واستمرّوا على ما أنتم فيه من لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر، ولا يشيرون بتاتًا في تصريحاتهم إلى ربّ الأرض جلّ جلاله، وأنّه هو الذي يوحي إلى الأرض أن تتزلزل، وحيًا تفهمه الأرضُ عن ربِّها، وزلزال القيامة الأعظم سيكون هو الآخر بوحي ربّاني للأرض، وفي القرآن الكريم سورةُ الزّلزلة وفيها: "إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدّث أخبارها بأنّ ربّك أوحى"، ووحيُ الله للأرض وإلى الأرض بالزّلزال هو أمرُه لها بذلك كما قاله المفسّرون، لكنَّ أعداء الأنبياء قديمًا أنكروا الكتب المنزّلة وهي وحي الله إليهم، وزعموا أنّها سحرٌ وشعرٌ وأساطير الأوّلين، فلا غرابة الآن أن ينكر الغافلون وحيَ الله للأرض بالزلزال، ويزعمون أنّها حدثٌ طبيعيٌّ جرّاء صفائح وطبقات وبراكين وقشرات وانزلاقات .. والحقيقة أنّ إنكار الوحي صار جبلّةً في قوم لا يوقظهم مِن سباتهم إلّا زلزال القيامة".
(جمال عزّون الاثنين 7 شعبان عام 1444)
***
المُوقظ:
قال القاضي عياض في «ترتيب المدارك وتقريب المسالك» (8/ 29) في ترجمة "‌‌سليمان بن بطّال أبو أيوب البطليوسي":
"كان مقدَّمًا في أهل العلم والفقه والفهم، والشعر والأدب. وكان أولًا كثير الشعر، مشهورًا به، ومال آخرًا إلى الزهد، وترك قول الشعر.
وله:
كتاب في مسائل الأحكام، سمّاه: المقنع. عليه مدارُ المفتين والحكام، قال ابنُ عبدالبر: وليس لمالكيٍّ مثله في معناه.
وكتاب في الزهد سمّاه: المُوقظ.
وكتاب: أدب الهموم.
وكتاب: الدليل إلى طاعة الجليل. وبمثل هذا الاسم، سمَّى أيضًا أبو علي الطلمنكي كتابه الكبير.
حدَّث عنه أبو عمر بن عبدالبر، وحكم بن محمد بن أبي الربيع الأيسري، وابن الرمينة السبتي، وابن الحصار الإمام. توفي عام اثنين وأربع مئة، فيما أظنُّ».
أقول: أين هذا (المُوقظ) وأين سائر كتبه يا تُرى؟
***
نشرُ العلم وتعليمُه من أفضل أعمال البر:
قال ابن عبدالبر في كلامٍ له في «التمهيد» (5/ 202):
"ومما يشبه ما ذكرنا، ما جاوب به مالك -رحمه الله- ‌العُمريَّ العابد، وذلك أن عبدالله بن عبدالعزيز ‌العُمري العابد كتب إلى مالك يحضُّه إلى الانفراد والعمل، ويرغب به عن الاجتماع إليه في العلم، فكتب إليه مالك: إنَّ الله عز وجل قسم الأعمال كما قسم الأرزاق:
فرُبَّ رجل ‌فُتح ‌له في الصلاة، ولم يُفتح له في الصوم.
وآخر ‌فُتح ‌له في الصدقة، ولم يُفتح له في الصيام.
وآخر ‌فُتح ‌له في الجهاد، ولم يُفتح له في الصلاة.
ونشرُ العلم وتعليمُه مِنْ أفضل أعمال البرِّ، وقد رضيتُ بما فَتح الله لي فيه مِن ذلك، وما أظنُّ ما أنا فيه بدون ما أنتَ فيه، وأرجو أنْ يكون كلانا على خير، ويجبُ على كل واحد منا أنْ يرضى بما قُسِم له، والسلام.
هذا معنى كلام مالكٍ؛ لأني كتبتُه مِن حفظي، وسقطَ عني في حين كتابتي أصلي منه".
قلت: وكل مَنْ نقل هذا نقلَه عن ابن عبدالبر.
***
علم الحديث:
جاء في "إجازة الشيخ محمد عبدالحق الهاشمي إلى سلطان محمود بن حسن الجلالبوري"، في "الإجازات الهندية وتراجم علمائها" للشيخ عمر بن محمد سراج حبيب الله (2/1263):
"وقال الحافظ السيوطي رحمه الله:
علم الحديث أجلُّ علم الدينِ... وبه علو المرء في الدارينِ
فاعكفْ عليه روايةً ودرايةً... واطلبْ معاليه ولو بالصينِ". انتهى.
قلتُ:
وهما من قصيدة له:
قال القنوجي في «الحطة في ذكر الصحاح الستة» (ص44-45):
«وللشيخ جلال الدين السيوطي -أورده السيدُ المرتضى في "المجالس الحنفية" بسنده إليه- نظمٌ:
علمُ الحديث أجلُّ علم الدينِ … وبه علو المرء في الدارينِ
كالماء محياة النفوس مطهرٌ … للقلب لا يعروه شينُ الرينِ
فاعكفْ عليه رواية وكتابة … واطلبْ معاليه ولو بالصينِ
يكفيه فضلًا ذكرُه للمصطفى … في كل وقتٍ قد مضى والحينِ
خير البرية سيد الرُّسْل الذي … جلّتْ محاسنُه عن التدوينِ
ذو المعجزات الباهرات وحدُّها … قد زاد عن ألفٍ وعن ألفينِ
فالماءُ سال منِ اصْبعيه أنهرًا … والبدرُ شُق منَ اجْله نصفين
أكرمْ به مِن مصطفى فحديثُه … يشفي العليلَ وذكرُه يُحييني
صلّى عليه وسلَّم اللهُ الذي … قد خصَّه في الخير بالتمكينِ
ما دام ذكرُ حديثه ولآلئي … في مدحه منظومةَ السمطينِ».
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع