مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


من تيسير الله في اللغة العربية أن جعل فيها الاشتقاق

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


11/12/2022 القراءات: 479  


شرق غرب اشتمل اجتنب

من تيسير الله في اللغة العربية أن جعل فيها الاشتقاق، وانظر إلى الأمثلة التالية تر درجة أولى من التيسير الذي يخدُم كلامك اليوميّ، ثم انظر كرّة أخرى ترَ درجة ثانية.

1. مثال أول:

إذا أردتَ المسير برًّا من القاهرة إلى مكة فاشتَمل ثم شرِّق ثم اجتنِب ولا تُغرِّب

اشتمِل: سر شِمالًا، أي في اتجاه الشِّمال (بكسر الشين كما ذكرنا غير مرة)
شرِّق (بتشديد الراء وكسرها): اتجه شرقًا
اجتنِب: سر جنوبًا
غرِّب (بتشديد الراء وكسرها): اتجه غربًا

فاختُصر (سر شمالًا) في (اشتملْ)
و(سر جنوبًا) في (اجتنبْ)
و(سر شرقًا) في (شَرِّقْ)
و(سر غربًا) في (غَرِّبْ)

فهذه الدرجة الأولى من التيسير

2. مثال ثانٍ:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أتَى أحَدُكُمُ الغَائِطَ، فلا يَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ ولَا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ، شَرِّقُوا أوْ غَرِّبُوا)

وفي الحديث درجتا التيسير معًا:
أ. إذا حُمِل الكلام على أنه لأهل المدينة، والمدينة شِمالَ مكة، فقبلة أهل المدينة الجنوب، فالمراد بقوله صلى الله عليه وسلَّم ألا يستقبل من أتى الغائط جهة الجنوب (يجتنب) فيستقبلَ القبلة؛ ولا يستقبل جهة الشمال (يشتمل) فيستدبر القبلة أي يوليها ظهره، أي أن (شرِّقوا) يراد بها استقبال جهة الشرق حقًّا، و(غرِّبوا) يراد بها استقبال جهة الغرب حقًّا

ب. فماذا عن مّن قبلتهم الشرق أو الغرب؟ إن كلامه صلى الله عليه وسلم يصلح لأهل المدينة وغيرهم، وانظر إلى مواقيت الإحرام تجد ميقاتًا لأهل كل جهة، فكيف نوجّه الحديث؟

التوجيه أن كلامه أَمر لأَهل المدينة ومن كانت قِبْلته على ذلك السَّمْتِ ممن هو في جهة الشمال والجنوب، فأما من كانت قبلته في جهة المَشْرِق أو المغرب فلا يجوز له أَن يُشَرِّق ولا يُغَرِّب إنما يَجْتَنِب ويَشْتَمِل.

وهنا التيسير الثاني الذي عنيته:
إن قوله شرِّق: أي انظر إلى يمينك وأنت تواجه القبلة، أي اجعل القبلة أمامك وعُدَّها جهة الشِّمال النسبية (نسبة إليك) لا الحقيقية، فيكون شرقُك أنت يمينَك، وغربُك يسارَك، وجنوبُك خلفَك

وقوله غرِّب: أي انظر إلى يسارك وأنت تواجه القبلة

وهذا مكافئ للغة الطّيّارين في زمننا هذا، إذ يجعلون الجهة التي أمامهم مكافئة لموضع الساعة الثانية عشرة في قرص ساعة اليد ذات الذراعين، فإذا أريد لأحد أن يسير أمامًا من موضعه قيل له:
اتجه إلى الساعة الثانية عشرة

وإذا أريد أن يتجه يمينًا قيل:
سر إلى الساعة الثالثة

وشمالًا / يسارًا:
سر إلى الساعة التاسعة

وخلفًا:
سر إلى الساعة السادسة

فهذا في العربية إذن هكذا:
سر أمامًا = اتجه إلى الساعة الثانية عشرة = اشتمِل
سر خلفًا = اتجه إلى الساعة السادسة = اجتنِب
سر يمينًا= اتجه إلى الساعة الثالثة = شَرِّق
سر شمالًا / يسارًا = اتجه إلى الساعة التاسعة = غَرِّب

فإن قيل كيف نفرّق بين التشريق الحقيقي (أي السير نحو مشرق الشمس) والتشريق النسبيّ (أي السير إلى يمين المرء) فالجواب أن السياق حاكم، مثل:
يا فلانُ أنت تسير شِمالًا فلن تصل، شَرِّق تصلْ => (تشريق حقيقيّ)
يا فلانُ، شرِّق شرقكَ أنت / شرِّق من موضعك / دُر يمينًا، شرِّقْ (تشريق نسبيّ)

الأساليب
الاتجاهات


من تيسير الله في اللغة العربية أن جعل فيها الاشتقاق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع