مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


🔻فتح مكة (2)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


18/03/2023 القراءات: 284  


في السابع عشر من شهر رمضان سنة 8 هـ- غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران إلى مكة، وأمر العباس رضي الله عنه أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي حتى تمر به جنود الله فيراها، ففعل

فمرت القبائل على راياتها، كلما مرت به قبيلة قال: يا عباس من هذه؟ فيقول: - مثلا- سليم، فيقول: ما لي ولسليم؟ ثم تمر به القبيلة فيقول: يا عباس من هؤلاء؟ فيقول: مزينة، فيقول: ما لي ولمزينة؟ حتى نفدت القبائل، ما تمر به قبيلة إلا سأل العباس عنها، فإذا أخبره قال: ما لي ولبني فلان؟

حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، قال: سبحان الله يا عباس من هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار
قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة. ثم قال: والله يا أبا الفضل لقد أصبح ابن أخيك اليوم عظيما. قال العباس رضي الله عنه : يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: فنعم إذن.


وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة رضي الله عنه ، فلما مر بأبي سفيان قال له اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا. فلما حاذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان قال: يا رسول الله ألم تسمع ما قال سعد؟
قال: وما قال؟ فقال: كذا كذا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشا» ثم أرسل إلى سعد فنزع منه اللواء، ودفعه إلى ابنه قيس، وقيل: بل دفعه إلى الزبير رضي الله عنهم جميعا

ولما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال له العباس رضي الله عنه : النجاء إلى قومك. فأسرع أبو سفيان حتى دخل مكة، وصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد، قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
قالوا: قاتلك الله، وما تغني عنك دارك؟ قال: ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن

فتفرق الناس إلى دورهم ، وإلى المسجد ، وتجمع سفهاء قريش مع عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو ليقاتلوا المسلمين

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى حتى انتهى إلى ذي طوى- وكان يضع رأسه تواضعا لله حين رأى ما أكره الله به من الفتح، حتى أن شعر لحيته ليكاد يمس واسطة الرحل- وهناك وزع جيشه وكان خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى ، وأمره أن يدخل مكة من أسفلها، وقال: إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا، حتى توافوني على الصفا.

وكان الزبير بن العوام على المجنبة اليسرى، وكان معه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت سوداء ، فأمره أن يدخل مكة من أعلاها- من كداء- وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتى يأتيه.
وكان أبو عبيدة على الرجالة فأمره أن يأخذ بطن الوادي، حتى ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتحركت كل كتيبة من الجيش الإسلامي على الطريق التي كلفت الدخول منها ، فأما خالد رضي الله عنه وأصحابه فلقيهم مجموعة من سفهاء قريش تجمعوا لمحاربة الجيش الإسلامى فناوشوهم قليلا ، فأصاب منهم عددا فانهزموا ، وأقبل خالد رضي الله عنه حتى وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا.

وأما الزبير رضي الله عنه فتقدم حتى نصب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مسجد الفتح، وضرب له هناك قبة، فلم يبرح حتى جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر قادة جيشه ألا يقاتلوا إلا من يقاتلهم، وأعلن الأمان للناس سوى أربعة رجال وامرأتين أباح دماءهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة وهم: عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد
وقد قتل عبد الله بن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة وقتل مقيس بن صبابة في سوق مكة، وتمكن عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن سعد بن أبي سرح من الوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أعلنا إسلامهما وحقنا بذلك دمهما

وهؤلاء الذين أهدرت دماؤهم كانوا ممن ألحق الأذى الشديد بالمسلمين، فكان في إهدار دمهم عبرة لم تسول له نفسه الظلم والطغيان على أمل أن ينجو من العقاب طمعا في رحمة الإسلام وطيبة أتباعه.

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله، حتى دخل المسجد، فأقبل إلى الحجر الأسود، فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وفي يده قوس، وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنما، فجعل يطعنها بالقوس، ويقول:
{جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً }[الإسراء: 81]
{جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيد}ُ [سبأ: 49]
والأصنام تتساقط على وجوهها.

وكان طوافه على راحلته، فلما أكمل الطواف دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بها ففتحت، فدخلها، فرأى فيها الصور، ورأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام- يستقسمان بالأزلام، فقال:
«قاتلهم الله، والله ما استقسما بها قط. ورأى في الكعبة حمامة من عيدان، فكسرها بيده، وأمر بالصور فمحيت» .
ثم أغلق عليه باب الكعبة ، وكان معه أسامة وبلال رضي الله عنهما ، وصلى هناك، ثم دار في البيت، وكبر في نواحيه، ووحّد الله، ثم فتح الباب، وقريش قد ملأت المسجد صفوفا ينتظرون ماذا يصنع؟ فأخذ بعضادتي الباب، وهم تحته، فقال:
«لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.....
يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية:
{يا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }[الحجرات: 13] » .

ثم قال: " يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ "
قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم،
قال:" فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته:{ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْم}َ اذهبوا فأنتم الطلقاء."


🔻فتح مكة (2)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع