مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
لا خير في كذب الجواد ... وحبذا صدق البخيل
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
07/05/2023 القراءات: 345
كان مالك بن أنس يعيب كثرة الكلام ويقول لا يوجد إلا في النساء أو الضعفاء، وذم أعرابي رجلا فقال هو ممن ينأى المجلس أعيى ما يكون عند جلسائه، وأبلغ ما يكون عند نفسه وقال المفضل الضبي لأعرابي ما البلاغة؟ فقال: الإيجاز في غير عجز، والإطناب في غير خطل.
وقال الأحنف البلاغة الإيجاز في استحكام الحجة والوقوف عند ما يكتفى به.
وقال خالد بن صفوان: لرجل كثير كلامه: إن البلاغة ليست بكثرة الكلام، ولا بخفة اللسان، ولا بكثرة الهذيان، ولكنه إصابة المعنى والقصد إلى الحجة، وسئل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ما البلاغة؟ قال: " القصد إلى عين الحجة بقليل اللفظ "، وقيل لبعض اليونانية ما البلاغة؟ قال: " تصحيح الأقسام، واختيار الكلام "، وقيل لرجل من الروم ما البلاغة؟ فقال: " حسن الاقتصاد عند البديهة، وإيضاح الدلالة، والبصر بالحجة، وانتهاز موضع الفرصة "، وفي الخبر المأثور " الخير كله في ثلاث: السكوت، والكلام، والنظر، فطوبى لمن كان سكوته فكرة، وكلامه حكمة، ونظره عبرة ".
وقال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: لا خير في كثرة الكلام واعتبر ذلك بالنساء والصبيان. أعمالهم أبدا يتكلمون ولا يصمتون.
وقال الشاعر:
وإن لسان المرء ما لم يكن له ... حصاة على عوراته لدليل
وقال الحسن بن هانئ:
إنما العاقل من ... ألجم فاه بلجام
مت بداء الصمت خير ... لك من داء الكلام
وقاله آخر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه ... وعثرته بالرجل تبرى على مهل
وذكر ابن عبد البر ما أنشده بعضهم:
سأرفض ما يخاف علي منه ... وأترك ما هويت لما خشيت
لسان المرء ينبئ عن حجاه ... وعي المرء يستره السكوت.
قد سبق الكلام في الوعد والصدق والكذب ونحو ذلك والأخبار في ذلك، وقد أثنى الله عز وجل على إسماعيل - عليه السلام - فقال: {إنه كان صادق الوعد} [مريم: 54] .
وذلك؛ لأنه عانى في الوفاء بالعهد ما لم يعانه غيره وعد رجلا فانتظره حولا، روي عن ابن عباس، وقيل انتظره اثني عشر يوما، وقيل ثلاثة أيام قال ابن عبد البر: وقد روي «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه انتظر رجلا وعده في موضع من طلوع الشمس إلى غروبها» . قال الشاعر:
لسانك أحلى من جنى النحل وعده ... وكفاك بالمعروف أضيق من قفل
وقال آخر:
لله درك من فتى ... لو كنت تفعل ما تقول
وقال الآخر:
لا خير في كذب الجواد ... وحبذا صدق البخيل
وقال آخر:
الخير أنفعه للناس أعجله ... وليس ينفع خير فيه تطويل
وقال آخر:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل
وقال ابن الكلبي عن أبيه كان عرقوب رجلا من العماليق فآتاه أخ له يسأل شيئا فقال له عرقوب إذا أطلع نخلي. فلما أطلع أتاه فقال: إذا أبلح، فلما أبلح أتاه فقال: إذا أزهى، فلما أزهى أتاه فقال: إذا أرطب، فلما أرطب أتاه فقال: إذا أتمر، فلما أتمر جذه ولم يعطه شيئا فضرب به العرب المثل في خلف الوعد وقال غيره: كان عرقوب جبلا مكللا بالسحاب أبدا ولا يمطر شيئا قالت الحكماء من خاف الكذب أقل المواعيد، وقالوا: أمران لا يسلمان من الكذب كثرة المواعيد، وشدة الاعتذار.
وقال آخر:
إن الكريم إذا حباك بموعد ... أعطاكه سلسا بغير مطال
وقال آخر:
قم لوجه الله بالحق وكن ... صادق الوعد فمن يخلف يلم
وذكر ابن عبد البر قول عائشة - رضي الله عنها - قلت «يا رسول الله بم يعرف المؤمن؟ قال وقاره، ولين كلامه، وصدق حديثه» وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث من إذا حدثهم صدقهم، وإذا ائتمنوه لم يخنهم، وإذا وعدهم وفى لهم وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم، وتظهر له معونتهم.
وقال سعيد: كل الخصال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب قيل للقمان الحكيم ألست عبد بني فلان؟ قال بلى قيل فما بلغ بك ما أرى قال: تقوى الله عز وجل، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني، ثم قال:
ألا رب من تغتشه لك ناصح ... ومؤتمن بالغيب غير أمين
وقال نافع مولى ابن عمر: طاف ابن عمر سبعا وصلى ركعتين فقال له رجل من قريش: ما أسرع ما طفت وصليت يا أبا عبد الرحمن،.
فقال ابن عمر أنتم أكثر منا طوافا وصياما، ونحن خير منكم بصدق الحديث. وأداء الأمانة وإنجاز الوعد. أنشد محمود الوراق:
اصدق حديثك إن في ... الصدق الخلاص من الدنس
ودع الكذوب لشانه ... خير من الكذب الخرس
وقال آخر:
ما أقبح الكذب المذموم صاحبه ... وأحسن الصدق عند الله والناس
وقال منصور الفقيه:
الصدق أولى ما به ... دان امرؤ فاجعله دينا
ودع النفاق فما رأيت ... منافقا إلا مهينا
وقال الحسن البصري: لا تستقيم أمانة رجل حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه.
وقال الفريابي كنت عند الأوزاعي إذ جاءه رجل فقال يا أبا عمرو، هذا كتاب صديقك وهو يقرأ عليك السلام فقال متى قدمت؟ قال: أمس، قال ضيعت أمانتك لا أكثر الله في المسلمين أمثالك قال الشاعر:
إذا أنت حملت الأمانة خائنا ... فإنك قد أسندتها شر مسند
وقال بعض الحكماء من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه، قالوا والصدق عز والكذب خضوع.
وقال كعب بن زهير:
ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل
مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر السائل
وقال لقمان لابنه: يا بني احذر الكذب فإنه شهي كلحم العصفور من أكل منه شيئا لم يصبر عنه.
وقال الأصمعي: قيل لكذاب ما يحملك على الكذب؟ فقال أما إنك لو تغرغرت ماءه ما نسيت حلاوته، وقيل لكذاب هل صدقت قط قال أكره أن أقول لا فأصدق.
لا خير في كذب الجواد ... وحبذا صدق البخيل
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع