مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


09/06/2023 القراءات: 181  


الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ


﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].



﴿ الْحَجُّ ﴾ ذو ﴿ أَشْهُرٌ ﴾ جمع قِلة، والمراد شهران وكسر، هي شوال وذي القعدة وعشر ليال من الحجة، تغليبًا لأكثر الزمان على أقله، وقيل: بل كل ذي الحجة.



قال ابن عاشور: يحتمل أن يكون تمهيدًا لقوله: ﴿ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ ﴾ تهوينًا لمدة ترك الرفت والفسوق والجدال، لصعوبة ترك ذلك على الناس، ولذلك قللت بجمع القلة، فهو نظير ما روى مالك في "الموطأ" أن عائشة قالت لعروة بن الزبير: "يا بن أختي، إنما هي عشر ليال، فإن تخلج في نفسك شيء فدعه"؛ تعني أكل لحم الصيد.



﴿ مَّعْلُومَاتٌ ﴾ معروفات عند الناس، وأن مشروعية الحج فيها إنما جاءت على ما عرفوه، وكان مقررًا عندهم من شريعة إبراهيم عليه السلام، وهذه هي المدة التي يحرم فيها بالحج، عكس العمرة فلا وقت لها معلوم.



﴿ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ﴾ نوى الحج وأحرَم به، والفرض هنا هو «الإحرام»، وقد أجمع العلماء على أن الضمير في ﴿ فِيهِنَّ ﴾ يرجع إلى بعضهن؛ لأنه لا يمكن أن يفرض الحج بعد طلوع الفجر يوم النحر، ويفرض الحج من أول ليلة من شوال إلى ما قبل طلوع الفجر يوم النحر بزمن يتمكن فيه من الوقوف بعرفة.



﴿ فَلاَ رَفَثَ ﴾ الجماع ودواعيه، ﴿ وَلاَ فُسُوقَ ﴾ المعاصي، ولا سيما ما يختص بالنسك، كمحظورات الإحرام، وأصل الفسق الخروج من طاعة الله بترك واجب أو فعل حرام، والفسق حرام مطلقًا إلا أنه تتأكد حرمته في حق المحرم أكثر من غيره، ﴿ وَلاَ جِدَالَ ﴾ المخاصمة والمنازعة الشديدة للتغالب وحظ النفس حتى يغضب خصمه، مشتق من «الجدالة» وهي الأرض، كأن كل واحد من الخصمين يقاوم صاحبه حتى يغلبه سقوطًا إلى الأرض، ﴿ فِي الْحَجِّ ﴾ قال أهل المعاني: ظاهر الآية نفي، ومعناها نهي، مبالغة في النهي عنها وإبعادها عن الحاج؛ أي: فلا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا؛ كقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ [البقرة:2]؛ أي: لا ترتابوا فيه.



وإن كان منهيًّا عنها في غير الحج، فإنما خص بالذكر في الحج تعظيمًا لحرمة الحج، ولأن التلبس بالمعاصي في مثل هذه الحال من التشهير، لفعل هذه العبادة، أفحش وأعظم منه في غيرها، ألا ترى إلى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حق الصائم: (فلا يرفث ولا يجهل، فإن جهل عليه فليقل إني صائم؟)، وإلى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد صرف وجه الفضل بن العباس عن ملاحظة النساء في الحج: (يا بْنَ أَخِي، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ)، [أبو داود]، ومعلومٌ خطرُ ذلك في غير ذلك اليوم، ولكنه خصه بالذكر تعظيمًا لحرمته.



ومن فوائد الآية: تعظيم شأن الحج، حيث جعل الله له أشهرًا مع أنه أيام - ستة أيام - وقد جعل الله له أشهرًا ثلاثة حتى يأمن الناس، ويتأهبوا لهذا الحج، ولهذا ما بعد الحج أقصر مما قبله الذي قبله: شهران وسبعة أيام، والذي بعده: سبعة عشر يومًا فقط؛ لأنه إذا حج انتهى غرضه، فطُلب منه العودة بخلاف ما إذا كان قبله.



قال ابن عثيمين: ومن فوائد الآية أيضًا أن أشهر الحج ثلاثة لقوله تعالى: ﴿ أشهر ﴾، وهي جمع قلة، والأصل في الجمع أن يكون ثلاثة فأكثر، هذا المعروف في اللغة العربية، ولا يطلق الجمع على اثنين، أو اثنين وبعض الثالث إلا بقرينة، وهنا لا قرينة تدل على ذلك؛ لأنهم إن جعلوا أعمال الحج في الشهرين وعشرة الأيام يرد عليه أن الحج لا يبدأ فعلًا إلا في اليوم الثامن من ذي الحجة، وينتهي في الثالث عشر، وليس العاشر، فلذلك كان القول الراجح أنه ثلاثة أشهر كاملة، وهو مذهب مالك، وهو الصحيح؛ لأنه موافق للجمع، وفائدته أنه لا يجوز تأخير أعمال الحج إلى ما بعد شهر ذي الحجة إلا لعذر، لو أخرت طواف الإفاضة مثلًا إلى شهر المحرم قلنا: هذا لا يجوز؛ لأنه ليس في أشهر الحج، والله تعالى يقول: ﴿ الحج أشهر ﴾، فلا بد أن يقع في أشهر الحج، ولو أخرت الحلق إلى المحرم فهذا لا يجوز؛ لأنه تعدى أشهر الحج.



﴿ وَمَا تَفْعَلُواْ ﴾ التفات، بالخروج من غيبة إلى خطاب ﴿ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ ﴾ عقب به بعد النهي عن المنهيات لقصد الاتصاف بأضداد تلك المنهيات، فكأنه قال: لا تفعلوا ما نهيتم عنه، وافعلوا الخير فما تفعلوا يعلمه الله، وأطلق علم الله، وأريد لازمه وهو المجازاة على المعلوم؛ أي فيجازيكم به، وفيه استحباب فعل الخيرات للحاج أثناء حجه ليعظم أجره ويبر حجه.


الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع