مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (115)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


31/12/2023 القراءات: 232  


لم يبلوا أيضًا:
قال الإمام الترمذي في «السُّنن» (5/ 362):
"حدثنا ‌محمود بن غيلان، ‌وعبد بن حُميد، المعنى واحد، قالا: حدثنا ‌عبدالرزاق، عن ‌معمر، عن ‌ثابت البُناني، عن ‌عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن ‌صهيب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر همس» - والهمسُ في بعض قولهم تحرك شفتيه كأنه يتكلم - فقيل له: إنك يا رسول الله إذا صليتَ العصر همستَ، قال: إن نبيًّا من الأنبياء كان أعجب بأمته، فقال: مَن يقوم لهؤلاء؟ فأوحى الله إليه أن خيرهم بين أن أنتقم منهم، وبين أن أسلط عليهم عدوهم، فاختاروا النقمة، فسلط عليهم الموت، فمات منهم في يوم سبعون ألفًا.
قال: وكان إذا حدَّث بهذا الحديث حدَّث بهذا الحديث الآخر، قال: كان ملك من الملوك، وكان لذلك الملك كاهنٌ يكهن له، فقال: الكاهن انظروا إلي غلامًا، فهمًا - أو قال: فطنًا لقنًا - فأعلمه علمي هذا، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم مَن يعلمه، قال: فنظروا له على ما وُصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهبٌ في صومعة.
قال معمر: أحسب أن أصحاب الصوامع كانوا يومئذ مسلمين.
قال: فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مر به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال: إنما أعبد الله قال: فجعل الغلام يمكث عند الراهب ويبطئ عن الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام إنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب: إذا قال لك الكاهن أين كنت؟ فقل عند أهلي، وإذا قال: لك أهلك أين كنت؟ فأخبرهم أنك كنت عند الكاهن.
قال: فبينما الغلام على ذلك إذ مر بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة، فقال بعضهم: إن تلك الدابة كانت أسدًا، قال: فأخذ الغلام حجرًا، قال اللهم إن كان ما يقول الراهب حقًّا، فأسألك أن أقتله. قال: ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس: من قتلها؟ قالوا: الغلام، ففزع الناس، وقالوا: قد علم هذا الغلام علمًا لم يعلمه أحد.
قال: فسمع به أعمى، فقال له: إن أنت رددت بصري فلك كذا وكذا.
قال: لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع إليك بصرك أتؤمن بالذي رده عليك؟
قال: نعم.
قال: فدعا الله، فرد عليه بصره، فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم، فبعث إليهم، فأتي بهم، فقال: لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى، فوضع المنشار على مفرق أحدهما، فقتله وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام، فقال: انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا، فألقوه من رأسه، فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردون حتى لم يبق منهم إلا الغلام.
قال: ثم رجع، فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر، فيلقونه فيه، فانطلق به إلى البحر، فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك: إنك لا تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني: بسم الله رب هذا الغلام، قال: فأمر به، فصلب، ثم رماه، فقال: بسم الله رب هذا الغلام، قال: فوضع الغلام يده ‌على ‌صدغه حين رمي، ثم مات، فقال أناس: لقد علم هذا الغلام علمًا ما علمه أحد، فإنا نؤمنُ برب هذا الغلام.
قال: فقيل للملك: أجزعتَ أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال: فخد أخدودًا، ثم ألقى فيها الحطب والنار، ثم جمع الناس، فقال: مَن رجع عن دينه تركناه، ومَن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود.
قال: يقول الله تبارك وتعالى فيه: {قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود} حتى بلغ {العزيز الحميد}.
قال: فأما الغلام فإنه دُفن، قال: فيُذكر أنه أُخرِجَ في زمن عمر بن الخطاب، إصبعُهُ ‌على ‌صدغه كما وضعها حين قتل.
هذا حديث حسن غريب".
وفي «سيرة ابن هشام» (1/ 30-31):
«قال ابن إسحاق: حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حُدث: أن رجلًا من أهل نجران كان في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته، فوجدوا عبدالله بن الثامر [الغلام] تحت دَفْنٍ منها قاعدًا، واضعًا يدَه على ضربةٍ في رأسه، ممسكًا عليها بيده، فإن أخرتْ يدُه عنها تنبعثُ دمًا، وإذا أرسلتْ يدُه ردّها عليها، فأمسكتْ دمها، وفي يده خاتم مكتوب فيه: "ربي الله"، فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبر بأمره، فكتب إليهم عمر رضي الله عنه: أن أقروه على حاله، وردوا عليه الدَّفن الذي كان عليه، ففعلوا».
وقال محقق السيرة طه عبدالرؤوف سعد هنا: «حدثني مَنْ لا أشك في قوله أنه رأى كثيرًا من الشهداء في حرب فلسطين لم يتغيروا بعد السنين الطويلة».
وقال القرطبي في «التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ص: 448):
«روى نقلةُ الأخبار: أن معاوية رحمه الله لما أجرى العين التي استنبطها بالمدينة في وسط المقبرة. وأمر الناس بتحويل موتاهم. وذلك في أيام خلافته، وبعد الجماعة بأعوام. وذلك بعد أحد بنحو من خمسين سنة. فوُجدوا على حالهم حتى إن الكل رأوا المسحاة، وقد أصابتْ قدم حمزة بن عبد المطلب فسال منه الدم.
وأن جابر بن عبدالله أخرج أباه عبدالله بن حرام كأنما دُفن بالأمس.
وهذا أشهرُ في الشهداء من أن يُحتاج فيه إلى إكثار.
وقد روى كافةُ أهل المدينة أن جدار قبر النبي صلى الله عليه وسلم لما انهدم أيام خلافة الوليد بن عبدالملك بن مروان وولاية عمر بن عبدالعزيز على المدينة، بدتْ لهم قدمٌ فخافوا أن تكون قدم النبي فجزع الناسُ حتى روى لهم سعيد بن المسيب رضي الله عنه: أن أجساد الأنبياء لا تقيم في الأرض أكثر من أربعين يومًا ثم ترفع، وجاء سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب فعرف أنها قدمُ جده عمر رضي الله عنه، وكان رحمه الله قتل شهيدًا».
***
بركة العلم:
روى أبو محمد الحارثي عن بعض أصحاب الإمام أبي حنيفة قال: سمعتُه يقول:
مَن تعلّم العلم للدنيا حُرم بركته. ولم يرسخ في قلبه. ولم ينتفع به كبيرُ أحد.
ومَن تعلّمه للدين بُورك له فيه. ورسخَ في قلبه. وانتفع المقتبسون منه بعلمه.
عقود الجُمان للصالحي (ص: 305).
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع