مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (94)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


02/12/2023 القراءات: 573  


أوزبكستان:
سافرنا إلى أوزبكستان للمشاركة في مؤتمر (مدرسة ما وراء النهر للمحدِّثين في ضوء الإمام البخاري، والإمام الترمذي، والإمام الدارمي)، وكان المؤتمر يومين: الأول -وهو يوم الأربعاء الثامن من جُمادى الأولى سنة (1445)- للتجوال والزيارات في مدينة (ترمذ) وخارجها، والثاني -يوم الخميس- هو اليوم العلمي، وذلك في "مركز الإمام الترمذي الدولي للبحوث العلمية" في مدينة ترمذ، وتم ذلك على أحسن حال بفضل الله تعالى، وفي المساء عدنا إلى العاصمة طشقند على أمل زيارة سمرقند وبخارى في اليومين التاليين: الجمعة والسبت، ولكن قدر الله تعالى رحيل السيدة الوالدة إلى الرفيق الأعلى في مدينة حلب في سورية ليلة الجمعة، فلم يعد لدينا توجه للبقاء، فقطعنا السفر، وعدنا إلى الإمارات، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
***
الرحيل المفجع:
رحلتْ نبع الحنان، وواحة الأمان، وزينة المكان، وبهجة الزمان إلى الرفيق الأعلى. رحلتْ الوالدة الصابرة المضحية. اللهم تلقها بالرضى والرضوان، واجعلْ نزلها فسيح الجنان، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ليلة الجمعة ١٠ من جمادى الأولى ١٤٤٥ = ٢٤/ ١١/ ٢٠٢٣م.
***
إلى دوح الجِنان:
قال الأخ الكريم الفاضل عبدالله بن سالم باوزير بعد قراءة الفقرة السابقة:
رحلتْ نبع الحنان ... ومضى سرُّ الأمانْ
رحلتْ بهجة روحي ... رحلت زَين المكانْ
ودَّعتنا نحو ما نرجوه منْ دَوح الجنانْ
اللهم اغفر لها وارحمها، وعافها واعف عنها، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
***
فتنة الموتى والإطعام:
«قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في "كتاب الزهد" له:
حدثنا هاشم بن القاسم قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان قال:
قال طاوس: إنَّ الموتى ‌يفتنون في قبورهم سبعًا، فكانوا يستحبون أن يُطعم عنهم تلك الأيام».
ورواه أبو نُعيم في "حلية الأولياء" من طريقه.
ورجالُ هذا الإسناد رجال الصحيح، وطاوس من كبار التابعين، كما قال السيوطي في رسالته المخصصة لهذا الموضوع: "طلوع الثريا بإظهار ما كان خفيا" في "الحاوي للفتاوي" (2/ 216).
ويُظهر فعلُ السلف في إطعام الطعام في تلك الأيام فضلَ ذلك، وانتفاعَ الميت به.
ورحم الله تعالى أمواتنا وأموات المسلمين، ووقاهم فتنة القبر.
١١/ ٥/ ١٤٤٥
***
دعاء وامتنان:
في ختام اليوم الثالث من انتقال السيدة الوالدة الكريمة -رحمها الله تعالى وأكرم وفادتها ورفع درجاتها- نتوجه إلى الإخوة المعزين جميعهم الذين حضروا، أو اتصلوا، أو أرسلوا رسائلهم، أو علقوا، أو دعوا على البُعد، بالشكر والامتنان والدعاء، جزى الله الجميع خيرًا، ومتّعهم بمن يحبون في خير وعافية، ورزقهم ورزقنا برَّ الوالدين حيين ومتوفين. والحمد لله رب العالمين. وهو سبحانه ولي المؤمنين، وإليه يرجع الأمر كله. وصلى الله على مَنْ به نتعزّى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عن آل الأنيس وآل العك
عبدالحكيم الأنيس
دبي: ١٢/ ٥/ ١٤٤٥
***
مَنْ برَّك فقد أوثقك:
زرنا في مدينة ترمذ يوم الأربعاء الثامن من جُمادى الأولى سنة (1445) قبر حكيمها الإمام المحدِّث المفسِّر العارف محمد بن علي الترمذي (من أهل القرن الثالث)، وهو على ضفة نهر جيحون، ولهذا الإمام مؤلفاتٌ وأقوالٌ وحكمٌ، فمن حِكَمه ما رواه السُّلمي في كتابه
«طبقات الصوفية» (ص: 176) قال: «سمعتُ منصور بن عبدالله يقولُ: قال محمد بن علي: ليس في الدنيا حملٌ أثقل من البرِّ؛ لأنَّ ‌مَنْ ‌برَّكَ ‌فقد أوثقكَ، ومَنْ جفاك فقد أطلقكَ».
ورواه عنه أبو نُعيم في «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» (10/ 235)، وابنُ الجوزي في «صفة الصفوة» (2/ 344).
وقد ذُكِرَ القولُ عن الشافعي لكن بلاغًا، قال البيهقي في «مناقب الشافعي» (2/ 197):
«أخبرنا محمد بن الحسين السُّلمي قال: سمعتُ أبا الحسن بنَ مقسم يقول: سمعتُ أبي يقول:
بلغني عن الشافعي أنه قال: ‌مَنْ ‌بَرَّك ‌فقد أوثقكَ، ومَنْ جفاك فقد أطلقكَ».
وذكره النووي في «المجموع شرح المهذب» (1/ 13)، و«تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 56) عنه بلا سند.
وعزاه الزمخشريُّ في «الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل» (4/ 96) إلى علي رضي الله عنه فقال: «الصفد القيد، وسُمِّي به العطاء لأنه ارتباطٌ للمنعَم عليه، ومنه قولُ علي رضي الله عنه: ‌مَنْ ‌برَّك ‌فقد أسرَكَ، ومَنْ جفاك فقد أطلقَكَ».
وتابعه النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل» (3/ 156)، وغيرُه.
***
شكر وتقدير:
سعادة الأستاذ الدكتور مظفر خان جونيوف
مدير "مركز الإمام الترمذي الدولي للبحوث العلمية" ... الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد: فيطيبُ لي بعد عودتي من المشاركة في مؤتمركم المبارك: (مدرسة ما وراء النهر للمحدِّثين في ضوء الإمام البخاري، والإمام الترمذي، والإمام الدارمي) ببحثي: "الإمام الترمذي وتراثه العلمي"، أن أعبرَ لكم عن خالص شكري لدعوتكم إياي، وإتاحتكم الفرصة لي لزيارة بلادِكم، ومدينتِكم "ترمذ" الفيحاء، ومركزِكم، ومعرفتِكم، ومعرفةِ العاملين معكم من الباحثين والإداريين.
لقد كانتْ هذه المشاركة سعيدة جدًّا، إذ زرتُ بلادكم لأول مرة، بعدما كنتُ أزورها عبر ذكرِها وأحاديثِ الكتب والتاريخ عنها في كل يوم.
وقد عدتُّ -أنا وولدي "محمد"- نحملُ عنكم ذكريات عاطرة؛ لما رأيناه فيكم مِن ودٍّ صادقٍ، وحُبٍّ نابضٍ، ووفاءٍ حفيٍّ، وكرمٍ فياضٍ، ولطفٍ سابغٍ، وحفاوةٍ غامرةٍ.
حفظكم الله، وأيّدكم، وسدَّدكم، وبارك في أعمالكم، وتقبّل منكم.
والشكرُ والتقديرُ لكل العاملين معكم في هذا المركز الجليل.
ودُعاؤنا لأوزبكستان حكومةً وشعبًا أنْ يمُنَّ الله تعالى عليهم بوافر نعمه، وأنْ يديم عليهم الاستقرار والازدهار.
أخوكم
عبدالحكيم الأنيس
***
موافقة:
وأنا أعدُّ مضمون هذه الحلقة من هذه السلسلة (رؤوس أقلام)، لاح لي أن رقمها يوافق عمر السيدة الوالدة المبارك، وهو (94) سنة. رحمات الله تغشاها، والله يوليها ويتولاها.
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع