مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
رعاية الشيخوخة في الإسلام (2)
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
07/02/2025 القراءات: 3
والإسلام هذا الدين الشامل كما اهتم بالإنسان في طفولته وصغره، ووجه للاعتناء به فكذلك فعل معه حال شيخوخته وكبره، فدعا المجتمع إلى الالتفات إليه والاعتناء به، وحسن معاملته وحسن خطابه، والتودد إليه والقيام بشأنه، بل وإلى إكرامه والإحسان إليه، فعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من إجلالِ اللَّهِ إِكْرامَ ذي الشَّيبةِ المسلِمِ، وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيهِ والجافي عنهُ، وإِكْرامَ ذي السُّلطانِ المقسِطِ) [رواه أبو داود].
ومِن حقوق كبير السن إذا لقيناه أن نبدأه بالسلام مِن غير انتظار إلقاء السلام منه؛ احترامًا وتقديرًا له، فنسارع ونبادر بإلقاء السلام عليه بكل أدبٍ ووقار، واحترام وإجلال، بل بكل معاني التوقير والتعظيم، ونراعي كِبَرَ سنه في إلقاء السلام بحيث يسمعه ولا يؤذيه، فقد جاء في الحديث النبوي الشريف: (يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ علَى الكَبِيرِ، والمارُّ علَى القاعِدِ، والقَلِيلُ علَى الكَثِيرِ) [رواه البخاري].
ومِن حقوق كبير السن إذا حدثناه أن نناديه بألطف خطاب، وأجمل كلام، وألين بيان، نراعي فيه احترامه وتوقيره، وقدره ومكانته، بأن نخاطبه بـ "العم" وغيره من الخطابات التي تدل على قدره ومنزلته في المجتمع بكبر سنه، فعن أبي أمامة بن سهل: قال: "صَلَّيْنا مع عُمَرَ بنِ عبدِ العَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنا حتَّى دَخَلْنا علَى أنَسِ بنِ مالِكٍ فَوَجَدْناهُ يُصَلِّي العَصْرَ، فَقُلتُ: يا عَمِّ، ما هذِه الصَّلاةُ الَّتي صَلَّيْتَ؟ قالَ: العَصْرُ، وهذِه صَلاةُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّتي كُنَّا نُصَلِّي معهُ " [رواه البخاري].
ومِن حقوق الكبيرِ في السن أن نقدمه في الكلام في المجالس، ونقدمه في الطعام، والشراب والدخول والخروج، فقد ورد أنه لما أَقْبَلَ مُحَيِّصَةُ وأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ -وهو أكْبَرُ منه- وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ لِيَتَكَلَّمَ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِمُحَيِّصَةَ: (كَبِّرْ كَبِّرْ) يُرِيدُ السِّنَّ، فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ" [رواه البخاري].
وتضافرت الأحاديثُ الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الخير مع الأكابر، والبركة مع كبار السن، وأن المؤمن لا يزاد في عمره إلا كان خيرًا له، إضافة إلى أن المسن المؤمن له مكانة خاصة، تتمثل في التجاوز عن سيئاته، وشفاعته لأهل بيته، فكبار السن هم بركة المجتمعات، وأهل الخيرات، وأصحاب الخبرات، وذوو الرأي والمشورات، جعل الله تعالى الخير معهم، والبركة عندهم، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (البَرَكَةُ مَعَ أكَابِرِكُم) [رواه ابن حبان].
وقد أمر الإسلام جميع أفراد المجتمع بالاهتمام بهم والاعتناء بشأنهم والإحسان إليهم، ورعاية حقوقهم، والقيام بواجباتهم، وتعاهد مشكلاتهم، والسعي في إزالة همومهم؛ فأمر أولادهم بأن يحسنوا إليهم في كبرهم كما أنهم سبق وأحسنوا هم إليهم في صغرهم، قال الله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 22، 23].
وأمرهم بحسن صحبتهم وإن سعوا في كفرهم وعملوا على إضلالهم، فقال سبحانه وتعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًاۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:14، 15].
كما جعل الباري سبحانه وتعالى لهم على المجتمع حقوقاً، منها:
الاحترام والتوقير: إن مِن تعاليم الإسلام في حق الكبير توقيره وإكرامه، بأن يكون له مكانة في النفوس، ومنزلة في القلوب، فقد روى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ليسَ منَّا من لَم يَرحَمْ صغيرَنا، و يعرِفْ حَقَّ كَبيرِنا) [رواه أبو داود والترمذي]؛ فأمر عليه الصلاة والسلام باحترام الكبار وتوقيرهم، وحذر من عدم معرفة حقهم وترك توقيرهم، فإذا احترمنا الكبير، ورعينا حقوقه، يسر الله تعالى لنا في كِبَرنا مَن يرعى حقوقنا، جزاءً من جنس إحساننا، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أَكْرمَ شابٌّ شيخًا لسنِّهِ إلَّا قيَّضَ اللَّهُ لهُ مَن يُكْرمُهُ عندَ سنِّهِ) [رواه الترمذي].
ولما جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه بأبيه أبي قحافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليُسْلِمَ بين يديه، وكان شيخاً كبيراً طاعناً في السن، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (هَلَّا تَرَكتَ الشَّيخَ في بَيتِه حتى أكونَ أنا آتيه فيه؟ قال أبو بَكرٍ: يا رسولَ اللهِ، هو أحَقُّ أنْ يَمشيَ إليكَ مِن أنْ تَمشيَ أنتَ إليه، قال: فأجلَسَه بينَ يَدَيْه، ثمَّ مسَحَ صَدرَه، ثمَّ قال له: أسلِمْ. فأسلَمَ) [رواه أحمد]. وهذا منه تلطف وأدب جم وحسن خلق، ورحمة بالكبار لأن حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُؤتَى، ولكنه يعلِّم الأمة توقير كبار السن.
رعاية الشيخوخة، الطفولة، الشباب، ثمانين حولاً، حق كبيرنا
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع