مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


[أصول القدوة] [الأصل الأول الصلاح]

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


01/05/2023 القراءات: 301  


4 - الأتباع ينظرون إلى الداعية نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم، فربَّ عمل يقوم به لا يلقي له بالًا يكون في حسابهم من الكبائر، وذلك أنهم يعدونه قدوة لهم، ولكي ندرك خطورة ذلك الأمر فلنتأمل هذه القصة. يروى أن أبا جعفر الأنباري صاحب الِإمام أحمد عندما أُخبر بحمل الإِمام أحمد للمأمون في الأيام الأولى للفتنة. عبر الفرات إليه فإذا هو جالس في الخان، فسلم عليه، وقال: يا هذا أنت اليوم رأسٌ والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبتَ إلى خلق القرآن ليجيبنَّ بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعنَّ خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل- يعني المأمون - إن لم يقتلك فأنت تموت، ولا بد من الموت فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء. فجعل أحمد يبكي ويقول: ما قلت؟ فأعاد عليه فجعل يقول: ما شاء الله، ما شاء الله.
وتمر الأيام عصيبة على الِإمام أحمد، ويمتحن فيها أشدّ الامتحان ولم ينس نصيحة الأنباري، فها هو المروزي أحد
أصحابه يدخل عليه أيام المحنة ويقول له: "يا أستاذ قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] فقال أحمد: يا مروزي اخرج، انظر أي شيء ترى!!! قال: فخرجتُ إلى رحبة دار الخليفة فرأيت خلقًا من الناس لا يحصي عددهم إلا الله والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر في أذرعتهم، فقال لهم المروزي: أي شيء تعملون؟ فقالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه، قال المروزي: مكانكم. فدخل إلى أحمد بن حنبل فقال له: رأيت قومًا بأيديهم الصحف والأقلام ينتظرون ما تقول فيكتبونه فقال: يا مروزي أضل هؤلاء كلهم!! أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء".
فمن أبرز أسباب أهمية القدوة أنها تساعد على تكوين الحافز في المتربي دونما توجيه خارجي، وهذا بالتالي يساعد المتربي على أن يكون من المستويات الجيدة في المسالك الفاضلة من حسن السيرة والصبر والتحمل وغير ذلك.
[أصول القدوة]
[الأصل الأول الصلاح]
أصول القدوة سوف يكون الكلام في هذه الفقرة عن الأصول الظاهرة التي يلمسها ويحسها التابع والمقتدىِ ويرقبها في قدوته ومتبوعه ويمكن أن نرجع ذلك إلى ثلاثة أصول:
الأصل الأول: الصلاح وهذا يتحقق بثلاثة أركان الركن الأول: الِإيمان: ويقصد به كل ما يجب اعتقاده من الِإيمان بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر وسائر أركان الِإيمان إيمانًا يقينا جازمًا. وتحقيق معنى التوحيد ومقتضياته من معرفة الشهادتين والعمل بمقتضاهما.
ويبدو أن هذا الأمر واضح مما لا نحتاج إلى الِإطالة فيه.
الركن الثاني: العبادة: فيستقيم القدوة على أمر الله من الصلاة والزكاة والصيام وسائر أركان الِإسلام العملية ويهتم بالفرائض والمستحبات ويجد في اجتناب المنهيات والمكروهات. فيأتي من المأمورات بما استطاع ويجتنب جميع المنهيات على حد قوله، صلى الله عليه وسلم،: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» .
ويتمثل القدوة الحديث القدسي: «وما تقَرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها ولئن سألني لأعطيته، ولئن استعاذتي لأعيذنه» .
الركن الثالث: الإِخلاص: وهو سر عظيم وباب دقيق والتميز به من أعظم المطالب- وهو من أولى ما ينبغي أن يُفتش عنه في الرجل المقتدى به. فيكون المقصود بالقول والعلم والعمل وجه الله عز وجل بعيدًا عن أغراض النفس وأغراض المخلوقين، بل عبودية خاضعة تمام الخضوع لله عز وجل، أمرًا ونهيًا ونظرًا وقصدًا. والمرء إذا أسلم وجهه لله وأخلص نيته لمولاه فإن حركاته وسكناته ونومه ويقظته محسوبة في مرضاة الله. بل إن النصح والِإخلاص يرقى بالعبد الضعيف العاجز إلى رتبة القادر العامل، ففي غزوة العسرة من تبوك سجل القرآن الكريم خبر هؤلاء الضعفاء
الناصحين المخلصين في قوله سبحانه: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 91 - 92] وسجل لهم الرسول، صلى الله عليه وسلم، هذا الموقف حين خاطب جنده الغازين في سبيل الله بخبر هذه الطائفة بقوله: «إن أقوامًا خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبًا ولا واديًا إلا وهم معنا حبسهم العذر. . .» .
يقابل هؤلاء المثابين المأجورين أصحاب النوايا المدخولة حين ينادي بهم بالويل وحبوط العمل، ولو كانت صور عملهم صورة عمل الصالحين المخلصين: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ - الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ - الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ - وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4 - 7]
ومن أجل هذا فإنك ترى أن ضعف الإِخلاص عند كثير
من ذوي المواهب والمواقع القيادية جعل تابعيهم والمعجبين بهم يَشْقَوْن بمواهبهم ويرجعون بها القهقري.
يتبين من كل ذلك أن الِإسلام يلحظ في أعمال الناس ما يقارنها من نيات وما يصاحبها من دواعي وبواعث.


[أصول القدوة] [الأصل الأول الصلاح]


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع