مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


ما هي مكتسبات الحضارة المتوحشة؟

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


05/12/2023 القراءات: 417  


ما هي مكتسبات الحضارة المتوحشة؟
ليس المقصود بالآية القرآنية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] ليس هو التعارف العادي بين الشعوب والقبائل فقط، بل المقصود تبادل العلوم والمعارف والموروث الإنساني والمكتسبات الحضارية، من أجل إسعاد الإنسان، لكيلا تصبح المعرفة حكراً على أُمَّة واحدة، ولئلا يخرج الإنسان عن فطرته السليمة، لكن العولمة اليوم لا تحث على هذا المبدأ الإسلامي السامي، بل على العكس من ذلك، والمنطق يفرض أن يتم التعارف بتوافر العلوم السماوية والعلوم التي اكتشفها الإنسان لترتقي الأمم والشعوب.
لقد وضع الدين الإسلامي ثلاث قواعد أساسية تُؤطّر علاقة الإنسان بالجماعة، والجماعات فيما بينها، وهي:
أولاً: المشاركة في الدفاع عما هو مشترك بين الناس، انطلاقاً من قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251].
ثانياً: حماية الإنسان وهو على دينه الذي ارتضاه لنفسه، بدليل قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]
وله سبحانه: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40]، هكذا يُعلمنا الإسلام قيم السلوك الإنساني الراقي وينص على حماية دور العبادة أيا كانت.
ثالثاً: معرفة الآخر والاطلاع على مسيرته الإنسانية والحضارية النافعة.
وموقف الإسلام من الحضارة الغربية السائدة اليوم هو موقفه من كل الحضارات السابقة، يتقبل كل ما يستطيع أن تمنحه من خير، ويرفض ما فيها من شرور، فهو لا يدعو إلى عزلة علمية أو مادية، ولا يعادي الحضارات الأخرى معاداة شخصية؛ لإيمانه بوحدة البشرية واتصال الوشائج بين البشر من جميع الأجناس والاتجاهات، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] ولتتبادلوا العلوم والمعارف وكل ما ينفع البشرية، لا يقف الإسلام في وجه أية حضارة ما دامت نافعة للبشرية.
وقد تميزت الحضارة الإسلامية بأنها تستطيع أن تقدم للإنسان الإيمان ولا تسلبه العلم، وتعطيه الدين ولا تحرم عليه الدنيا، وتصله بالسماء ولا تمنعه من عمارة الأرض، وتمنحه نور الوحي ولا تحرمه نور العقل، وتقوي صلته بالخالق ولا تقطعه عن الخلق.
وتميزت هذه الرسالة الحضارية بالتوازن والوسطية والتكامل، وهي الخصائص التي لم توجد في أية حضارة أخرى.
أما حضارة العالم الغربي اليوم فهي الحضارة المادية فقط، حضارة الشبهات والشهوات، حضارة المال والجنس والشهوة والشهرة، حضارة الخراب والدمار ونشر الآلام في العالم، وها هي مدن العالم الإسلامي التي كانت مهدًا للعلم والحكمة والمعرفة عبر عصور طويلة أصبحت مع الأسف الشديد مسرحًا للخراب والدمار والدموع الآلام، وديارنا التي كانت يوماً ملجأ آمنًا للمظلومين من شتى بقاع العالم، باتت اليوم مكانًا ترتفع منه آهات الأمهات وهن يحتضن جثث أطفالهن، مع الإبادة الجماعية التي تمارس اليوم في غزة برعاية الحضارة الغربية!
إنها من مكتسبات الحضارة الغربية، ومن مكتسباتهم الغزو الفكري الذي ترسخ بكل تشوهاته في فكر مثقفي العار في العالم الإسلامي ممن يسبحون بحمد أبشع المستبدين من الحكام والطغاة والظلمة، ويشجعون على الظلم والاستبداد والإلحاد!
ومن مكتسبات الحضارة الغربية الغريبة أيضاً كثرة الطلاق في البلاد الإسلامية، وممارسة الجنس قبل الزواج في العالم الإسلامي، والصعوبات الاقتصادية التي أجبرت الشباب المسلم على تأخير الزواج، وكلها أسباب مدروسة لتفكك الأسرة المسلمة، والابتعاد بها عن بوتقة الإسلام السامي، وهذا الكلام ليس إنشاء من الكاتب؛ بل صرحت به في الآونة الأخيرة صحيفة (ذا إيكونومست) البريطانية الشهيرة في مقال خبيث بعنوان:
(هناك ثورة دينية جارية في الشرق الأوسط - هل تستطيع النجاة من حرب غزة؟)
حيث يحذر المقال من أن تؤدي حرب غزة إلى ضياع المكتسبات التي تحققت في العالم الإسلامي خلال السنوات الماضية، وذكر المقال من ضمن هذه المكتسبات تغيرات إيجابية في المجتمعات الإسلامية نحو "إسلام أكثر اعتدالاً" حسب زعم الصحيفة، وأضافت:
"وتتجاوز الآن معدلات الطلاق في منطقة الخليج التي كانت محافظة ذات يوم معدلاتها في العديد من الدول الغربية، وبما أن الصعوبات الاقتصادية أجبرت الشباب على تأخير الزواج، فقد أصبح ممارسة الجنس قبل الزواج أكثر انتشاراً في المنطقة، كما يقول علماء الاجتماع".اهـ
وهكذا تحذر الصحيفة وبكل وقاحة من أن تؤدي حرب غزة إلى ضياع هذه المكتسبات التي تحققت في العالم الإسلامي!
لقد سقطت الحضارة الإسلامية بفعل الخونة والعملاء والمنافقين، لتصير الحضارات التي قامت على الإبادة والقتل والدمار مثالاً لها في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟!
هذا هو الغرب وهذه حضارته المزيفة، فلا تغرنكم الشعارات والمحاضرات والفلسفة الجوفاء.


مكتسبات، الحضارة المتوحشة، الحضارة الغربية، الإسلام، الشبهات، الشهوات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع