مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


06/01/2023 القراءات: 708  


ولا يمكن أن نأخذ من الآية أن يبدأ المسلمون بطلب الصلح والجنوح للسلم
-كما يريد أن يفهم ذلك بعض المحرِّفين لمعاني القرآن-.
والجُنوح هو الميل كما قال الراغب: {وَإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها}، أي مالوا. من قولهم: جنحت السفينة، أي مالت إلى أحد جانبيها.
وهناك لفتةٌ لطيفةٌ في جعل الدعوة إلى الصلح والجنوح إلى السلم، بيد الكفار، وذلك لأن الذي يوجّه هذه الدعوة، ويميل إلى المسالمة، ويعدل عن الجهاد والقتال، يكون -غالباً- في موقف الضعيف العاجز عن القتال والجهاد، وهذا الضعف قد يقود إلى الذلة والهزيمة. كما أن نتيجة مسالمة هذا الجانح للسلم ومفاوضته مع خصومه، تجعله -غالباً- في موقف الخنوع والخضوع، وتوصله -غالباً- إلى الذلة والمهانة، والاستسلام للخصم، والاستجابة لطلباته.
ولأجل هذه المعاني كلها تَنهى الآية المؤمنين عن البدء بالدعوة إلى السلم، والجنوح إليه. أما إذا جنح الكفار لذلك، وعرف المسلمون حالتهم التي أمْلَت عليهم المسالمة، فعلى المسلمين أن يجنحوا لها، وأن يحققوا ما يريدون عن طريق السلم والمفاوضة والمصالحة والمهادنة، لأن الكفار جاؤوا مسالمين مستسلمين خاضعين.
وإذا ما نظرنا في ورود هذه الكلمة " السَّلم " في القرآن، فإننا نرى أنها لم ترد إلا في موضعين:
الموضع السابق: {وِإنْ جَنَحوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها} حيث تجعل البدء بالدعوة إلى السلم للكفار، لما قلناه.
الموضع الثاني: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.
وهذه الآية تنهى المسلمين عن البدء بالدعوة إلى السَّلم، وتجعل هذا نتيجةً للوهن والضعف والهوان، فلا يجوز للمسلمين أن يكونوا كذلك، ولا أن يدعوا إلى المسالمة والمهادنة، يجب أن يكونوا دائماً متفوّقين غالبين، يشعرون بأنهم الأعلون، لأن الله معهم.
وبالنظر في الآيتين نخرج بما قلناه: لا يجوز أن يدعو المسلمون إلى السلم والمسالمة، لأنها دليل الضعف والهوان، أما إذا ضعف الكافرون، ودعوا إلى ذلك، فعلى المسلمين الاستجابة، وإملاء شروطٍ على الكافرين، وإخضاعهم لما يريدون.
ومن باب الفائدة نقدم هذه اللطيفة من لطائف التعبير القرآني: ورد في القرآن ثلاث كلمات: السِّلْم، السَّلْم، السَّلَم.
السِّلم ورد مرة واحدة. في قوله تعالىِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
فالمراد بالسِّلم الإسلام، حيث تطلب الآية من المؤمنين أن يدخلوا في الإِسلام جميعاً بجميع حياتهم، وأن يلتزموه عملياً وسلوكياً وحياتياً.
أما السَّلْم فقد ورد مرتين:
{وَإنْ جَنَحوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها} و {فَلا تَهِنوا وَتَدْعوا إلى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأعْلَوْن}.
والمراد بالسَّلْم هو المسالمة، والخضوع الناتج عن الضعف والذل والجبن والهوان، وهذا لا يجوز أن يقوم به المؤمنون، بل المفروض أن يقوم به الكافرون.
وأما السِّلَم: فهو الاستسلام التام الكامل.
وفي موضوع المواجهة بين المسلمين والكفار، السَّلَم هو نتيجةٌ طبيعيةٌ للدعوة إلى السَّلْم. فطالما مُنع المسلمون من الدعوة إلى السَّلْم فلا يجوز أن يقعوا في السَّلَم، وطالما هذه الدعوة إلى السَّلْم صادرةٌ عن الكفار، فيجب أن نوصلهم إلى السَّلَم، وأن تكون نتيجة دعوتهم إلى السَّلْم، أن يكونوا مستسلمين لنا استسلاماً تاماً كاملاً.
قال تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا}.


{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع