مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


[فصل في حق المسلم على المسلم]

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


10/06/2023 القراءات: 194  


[فصل في حق المسلم على المسلم]
ومما للمسلم على المسلم أن يستر عورته، ويغفر زلته، ويرحم عبرته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويرد غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافئ صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويشمت عطسته، ويرد ضالته، ويواليه، ولا يعاديه، وينصره على ظالمه، ويكفه عن ظلمه غيره، ولا يسلمه، ولا يخذله، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه ذكر ذلك في الرعاية.
قال حنبل سمعت أبا عبد الله قال: وليس على المسلم نصح الذمي، وعليه نصح المسلم. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والنصح لكل مسلم» ومراده والله أعلم أنها فرض على الكفاية وقال المروذي: سمعت أبا عبد الله يقول: قال رجل لمسعر: تحب أن تنصح؟ قال: أما من ناصح فنعم، وأما من شامت فلا. وذكر ابن عبد البر في بهجة المجالس عن مسعر قال: رحم الله من أهدى إلي عيوبي في سر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع.
ولأحمد ومسلم عن تميم الداري مرفوعا: «إن الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وليس في مسلم في أوله " إن " ولأبي داود «إن الدين النصيحة» وكرره ثلاثا وذكره.
وللنسائي «وإنما الدين النصيحة» وذكره. فظاهره أن مدار الدين والإسلام على هذا الخبر.
وقاله بعضهم، وذكر جماعة أنه أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمر الإسلام.
وقال الخطابي:
معنى الحديث قوام الدين وعماده النصيحة كقوله «الحج عرفة»
ولأحمد بإسناد ضعيف عن أبي أمامة مرفوعا قال الله عز وجل: «أحب ما تعبد لي به عبدي النصح لي» وقال جرير: «بايعت رسول الله على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم» رواه أحمد والبخاري ومسلم وزاد بعد قوله: والطاعة فلقنني " فيما استطعت " ورواه النسائي كأحمد وزاد وعلى فراق الشرك.
قيل: النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنسوج له بما يسده من خلل الثوب، وقيل: من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط.
وظاهر كلام أحمد والأصحاب وجوب النصح للمسلم، وإن لم يسأله ذلك كما هو ظاهر الإخبار ولمسلم عن معقل بن يسار مرفوعا «ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجتهد لهم وينصح إلا لم يدخل الجنة معهم» فقد يقال: ظاهره أن وجوب النصح يتوقف على السؤال، وقد يقال: لا بل خص الأمير هذا لأنه أخص. لكن روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا «حق المسلم على المسلم ست وفيه فإذا استنصحك فانصح له» وهذا أولى ولأنه ليس بإقرار على محرم ولا يلزمه قبول قوله بخلاف إنكار المنكر.
وقد روى الحاكم في تاريخه عن ابن المبارك أنه قيل له: التاجر يدخل عليه رجل مفلس وأنا أعرفه، ولا يعرفه أسكت أم أخبره، قال لو أن خناقا صحبك، وأنت لا تعرفه وأنا أعرفه أأسكت حتى يقتلك؟ وعن أنس مرفوعا «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» متفق عليه. وإن ظن أن لا يقبل نصحه أو خاف أذى منه فيتوجه أن يقال فيه ما سبق في الأمر بالمعروف.
وروى أبو داود في باب النصيحة حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا ابن وهب عن سليمان يعني ابن بلال عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح
عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه» كثير حسن الحديث عند الأكثر.
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث النعمان بن بشير «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» .
ولمسلم «المسلمون كرجل واحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله» وفي الصحيحين من حديث أبي موسى: «المؤمن للمؤمن كالبنيان» وفي لفظ «كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه» .
وصح عن أبي هريرة مرفوعا «المستشار مؤتمن» رواه أبو داود والترمذي والنسائي ابن ماجه وللترمذي مثله من حديث أم سلمة ولابن ماجه مثله من حديث ابن مسعود وله من حديث جابر «وإذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه» .
وروى مسلم عن ابن مسعود مرفوعا «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» وذكر أبو بكر عبد العزيز بن جعفر أن أحمد بن حنبل قال لولديه: اكتبا من سلم علينا ممن حج فإذا قدم سلمنا عليه، قال ابن عقيل: هذا محمول منه على صيانة العلم لا على الكبر.
وقال ابن الصيرفي من أصحابنا في النوادر نقل عنه ولده صالح أنه قال: انظروا إلى الذين جاءوا مسلمين علينا فنمضي بعد نسلم عليهم قال القاضي وذلك أنه جعل مضيه إليهم في مقابلة مضيهم إليه ولم يستحب أن يبدأهم بالمضي.
وقال عبد الله الحماني الرجل يخرج إلى مكة لا يجيء يسلم علي أمضي أسلم عليه قال: لا إلا أن يكون ذا علم أو هاشميا أو إنسانا يخاف شره وقال المروذي: قال لي محمد بن مقاتل: قل لأبي عبد الله رق على هذا الخلق واجعلهم في حل فقد وجبت نصرتك فقلت: لأبي عبد الله فجعل يقول: هذا رجل صالح قال المروذي، معنى كلام أبي عبد الله لم يستحلني أحد من العلماء غيره.
وفي مسائل هذا الفصل أحاديث مشهورة وروى أبو داود في (باب من رد عن مسلم غيبة) حدثنا علي بن نصر حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبي حدثنا الجريري عن أبي عبد الله الجشمي حدثنا جندب قال: «جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها ثم دخل المسجد فصلى خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثار راحلته، فأطلقها، ثم ركب، ثم نادى اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا. فقال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - أتقولون هو أضل أم بعيره؟ ألم تسمعوا إلى ما قال؟ الجشمي» تفرد عنه الجريري.
وظاهر كلام أصحابنا أن نصر المظلوم واجب وإن كان ظالما في شيء آخر وإن ظلمه في شيء لا يمنع نصره على ظالمه في شيء آخر، وهو ظاهر الأدلة.


[فصل في حق المسلم على المسلم]


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع