مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


«لعن المؤمن كقتله»

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


06/06/2023 القراءات: 399  


وقال أبو طالب: سألت أحمد عن من نال يزيد بن معاوية قال: لا تكلم في هذا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعن المؤمن كقتله» قال فقد توقف عن لعنة الحجاج مع ما فعله، ومع قوله: الحجاج رجل سوء، وتوقف عن لعنة يزيد بن معاوية مع قوله في رواية مهنا، وقد سأله عن يزيد بن معاوية فقال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل قتل بالمدينة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهبها لا ينبغي لأحد أن يكتب حديثه.
قال أبو بكر الخلال في كتاب السنة الذي ذكره أبو عبد الله في التوقف في اللعنة ففيه أحاديث كثيرة لا تخفي على أهل العلم، ويتبع قول الحسن وابن سيرين فهما الإمامان في زمانهما، ويقول: لعن الله من قتل الحسين بن علي، لعن الله من قتل عثمان، لعن الله من قتل عليا، لعن الله من قتل معاوية بن أبي سفيان، ونقول: لعنة الله على الظالمين إذا ذكر لنا رجل من أهل الفتن على ما تقلده أحمد.
قال القاضي فقد صرح الخلال باللعنة قال: قال أبو بكر عبد العزيز فيما وجدته في تعاليق أبي إسحاق: ليس لنا أن نلعن إلا من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على طريق الإخبار عنه.
قال الشيخ تقي الدين المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق العام لا المعين كما قلنا في نصوص الوعيد والوعد، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار، فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة، وأن الكافرين في النار
ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة، ولا نشهد بذلك لمعين إلا من شهد له النص، أو شهد له الاستفاضة على قول، فالشهادة في الخبر كاللعن في الطلب، والخبر والطلب نوعا الكلام، ولهذا قال النبي: - صلى الله عليه وسلم - «إن الطعانين واللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة» ، فالشفاعة ضد اللعن كما أن الشهادة ضد اللعن وكلام الخلال يقتضي أنه لا يلعن المعينين من الكفار، فإنه ذكر قاتل عمر، وكان كافرا، ويقتضي أنه لا يلعن المعين من أهل الأهواء، فإنه ذكر قاتل علي، وكان خارجيا.
ثم استدل القاضي للمنع بما جاء من ذم اللعن، وأن هؤلاء ترجى لهم المغفرة، ولا تجوز لعنتهم؛ لأن اللعن يقتضي الطرد والإبعاد بخلاف من حكم بكفره من المتأولين، فإنهم مبعدون من الرحمة كغيرهم من الكفار، واستدل على جواز ذلك، وإطلاقه بالنصوص التي جاءت في اللعن وجميعها مطلقة كالراشي والمرتشي، وآكل الربا وموكله، وشاهديه، وكاتبيه.
قال الشيخ تقي الدين: فصار للأصحاب في الفساق ثلاثة أقوال (أحدها) المنع عموما وتعينا إلا برواية النص. (والثاني) إجازتها. (والثالث) التفريق وهو المنصوص، لكن المنع من المعين هل هو منع كراهة أو منع تحريم؟ ثم قال في الرد على الرافضي لا يجوز واحتج بنهيه - عليه السلام - عن لعنة الرجل الذي يدعى حمارا.
وقال هنا ظاهر كلامه الكراهة، وبذلك فسره القاضي فيما بعد لما ذكر قول أحمد: لا تعجبني لعنة الحجاج ونحوه لو عم فقال: ألا لعنة الله على الظالمين.
قال القاضي: فقد كره أحمد لعن الحجاج قال: ويمكن أن يتأول توقف أحمد عن لعنة الحجاج ونظرائه (أنه) كان من الأمراء فامتنع من ذلك من وجهين (أحدهما) نهي جاء عن لعنة الولاة خصوصا (الثاني) أن لعن الأمراء ربما أفضى إلى الهرج، وسفك الدماء والفتن، وهذا المعنى معدوم في غيرهم.
قال الشيخ تقي الدين: والذين اتخذوا أئمة في الدين من أهل الأهواء هم أعظم من الأمراء عند أصحابهم، وقد يفضي ذلك إلى الفتن. وذكر يعني القاضي ما نقله من خط أبي حفص العكبري أسنده إلى صالح بن أحمد قلت لأبي: إن قوما ينسبون إلي تولي يزيد، فقال: يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: ولم لا تلعنه؟ فقال: ومتى رأيتني ألعن شيئا؟ لم لا نلعن من لعنه الله عز وجل في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقرأ: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} [محمد: 22] {أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد: 23] .
فهل يكون في قطع الرحم أعظم من القتل؟ قال القاضي: وهذه الرواية إن صحت فهي صريحة في معنى لعن يزيد قال الشيخ تقي الدين: الدلالة مبنية على استلزام المطلق للمعين انتهى كلامه.
وقال في مكان آخر: وقد نقل عن أحمد لعنة أقوام معينين من دعاة أهل البدع، ولهذا فرق من فرق من الأصحاب بين لعنة الفاسق بالفعل، وبين دعاة أهل الضلال إما بناء على تكفيرهم، وإما بناء على أن ضررهم أشد، ومن جوز لعنة المبتدع المكفر معينا، فإنه يجوز لعنة الكافر المعين بطريق الأولى، ومن لم يجوز أن يلعن إلا من ثبت لعنه بالنص، فإنه لا يجوز لعنة الكافر المعين، فمن لم يجوز إلا لعن المنصوص يرى أن لا يجوز ذلك لا على وجه الانتصار ولا على وجه الجهاد، وإقامة الحدود كالهجرة، والتعزير والتحذير.
وهذا مقتضى حديث أبي هريرة الذي في الصحيح
«أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يدعو لأحد، أو على أحد قنت بعد الركوع. وقال فيه: اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب» حتى نزلت: {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128] .
قال: وكذلك من لم يلعن المعين من أهل السنة، أو من أهل القبلة، أو مطلقا، وأما من جوز لعنة الفاسق المعين على وجه البغض في الله عز وجل، والبراءة منه والتعزير، فقد يجوز ذلك على وجه الانتصار أيضا، ومن يرجح المنع من لعن المعين، فقد يجيب عما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بأحد أجوبة ثلاثة إما بأن ذلك منسوخ كلعن من لعن في القنوت على ما قاله أبو هريرة، وإما أن ذلك مما دخل في قوله: «اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما مسلم سببته أو لعنته، وليس كذلك فاجعل ذلك له صلاة وزكاة ورحمة تقربه بها إليك يوم القيامة» .


«لعن المؤمن كقتله»


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع