مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


{لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


07/01/2023 القراءات: 525  


{لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}
وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
تَنهى هذه الآية المؤمنين عن أكل الربا، وتصف هذا الربا المنهي عنه بأنه أضعافٌ مضاعفة. وتطالبهم بتقوى الله وترك الربا، إن أرادوا فلاحاً وفوزاً، وتوفيقاً وسعادة.
وينظر بعض المتلاعبين بالنصوص، أو المستهزئين بالأحكام الشرعية، أو ممن باعوا دينهم بدنيا غيرهم، من الذين تَزَيَّوا بزي العلماء، وشغلوا مراكز إسلاميةً رسميةً، عند حكوماتٍ قائمة، تتعامل بالربا وتأكله وتعيش عليه، وتجعله قاعدة نظامها الاقتصادي، فيسارع هؤلاء التجار بإصدار الفتاوى لحكامهم يبيحون لهم فيها الربا.
ينظر هؤلاء في هذه الآية، فيحرفونها عن معناها، ويسيئون فهمها، ويعتبرونها دليلاً على إباحة الربا، إذا كانت فائدته قليلة.
ويقول التجار هؤلاء بأن الربا ليس حراماً، إلا إذا كان أضعافاً مضاعفة تتجاوز الثلث أو النصف. أما إذا كان الربا قليلاً لا يتجاوز العشرة أو الخمس عشرة بالمائة، فإنه مباحٌ وليس محرَّماً في دين الله. وعندما تطالبهم بالدليل على هذه الفتوى الجائرة، يقدمون هذه الآية: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}.
وهم مغالطون محرِّفون، وهم يعلمون أنهم مغالطون محرفون، وأنهم يكذبون على الله ورسوله ودينه. ولكنه الضلال والانحراف. وصدق الله حيث يقول فىِ هؤلاء: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ}.
لقد صدرت عدة فتاوى في العصر الحاضر، من عدد من الشيوخ الذين شغلوا مناصب رسميةً عليا، في دول عربية وإسلامية، أباحوا فيها لهذه الدول التي تتعامل بالربا، أن تتعامل بنوكها بالربا، وأن تُصدر قروضاً بالربا لمواطنيها، وأن عملها ليس حراماً ما دام الربا دون العشرة بالمائة.
كما أباح بعضهم للدولة، أن تأخذ قروضاً بالربا من الدول الأخرى والبنوك الدولية، لأن المحرم عند هؤلاء، هو الذي يكون بين الأفراد، وليس ذلك الذي يكون بين الدول.
وهذه الفتاوى ما أرادوا بها وجه الله، بل التزلف للحاكمين، وإرضاء انحرافاتهم، وتبرير منكراتهم، وهم بذلك نالوا غضب الله سبحانه.
الآية -موضوع البحث- لا تدل على إباحة الربا القليل. كل ما يؤخذ منها: أنها تشير إلى طبيعة الربا المتداول بين الناس في العصر الجاهلي القديم، وهو أنه يتضاعف أضعافاً مضاعفة. فإذا عجز المدين عن السداد في الوقت المحدد طالب بتمديد المدة مقابل مضاعفة الربا، وبهذا يتضاعف عدة مرات.
{أضعافاً مضاعفة} في الآية، ليس قيداً للربا المحرم، وإنما هو وصفٌ لبيان الواقع التاريخي، الذي كان يعيشه الناس في ذلك الزمان.
أما القرآن فإنه صريحٌ في تحريم الربا كله، قليله وكثيره، ولو كان درهماً واحداً، ولو كان أقل من واحدٍ بالمائة.
قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرمَ الرِّبا}.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ}.
قال الأستاذ سيد قطب في تفسير الآية: " نقف عند الأضعاف المضاعفة، فإن قوماً يريدون في هذا الزمان، أن يتواروا خلف هذا النص، ويتداروا به، ليقولوا إن المحرم هو الأضعاف المضاعفة، أما الأربعة في المائة والخمسة في المائة والسبعة والتسعة. فليست أضعافاً مضاعفة، وليست داخلة في نطاق التحريم!
ونبدأ فنحسم القول، بأن الأضعاف المضاعفة وصفٌ لواقع، وليست شرطاً يتعلق به الحكم. والنص الذي في سورة البقرة قاطعٌ في حرمة أصل الربا - بلا تحديد ولا تقييد {وَذَروا ما بَقيَ مِنَ الرِّبا} أياً كان!
فإذا انتهينا من تقرير المبدأ، فرغنا لهذا الوصف، لنقول: إنه في الحقيقة ليس وصفاً تاريخياً فقط للعمليات الربوية التي كانت واقعةً في الجزيرة، والتي توَجَّه إليها النهي هنا بالذات. إنما هو وصفٌ ملازمٌ للنظام الربوي المقيت، أيّاً كان سعر الفائدة.
إن النظام الربوي معناه إقامة دورة المال كلها على هذه القاعدة. ومعنى هذا أن العمليات الربوية ليست عملياتٍ مفردة ولا بسيطة. فهي عملياتٌ متكررةٌ من ناحية، ومركبَّةٌ من ناحيةٍ أخرى، فهي تُنشئ مع الزمن والتكرار والتركيب، أضعافاً مضاعفة بلا جدال.
إن النظام الربوي يحقق بطبيعته دائماً هذا الوصف. فليس هو مقصوراً على العمليات التي كانت متبعة في جزيرة العرب. إنما هو وصفٌ ملازمٌ للنظام في كل زمان ".
***


{لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع