مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
لا شيء على الإطلاق أنفع للعبد من إقباله على الله
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
28/01/2023 القراءات: 657
فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشا وأنعمهم بالا وأشرحهم صدرا وأسرهم قلبا ، وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة ؟ قال النبي : « إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا » . قالوا : وما رياض الجنة ؟ قال : « حلق الذكر » .
ومن هذا قوله : « ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة » . ومن هذا قوله وقد سألوه عن وصاله في الصوم وقال : « إني لست كهيئتكم إني أظل عند ربى يطعمني ويسقينى » .
فأخبر أن ما يحصل له من الغذاء عند ربه يقوم مقام الطعام والشراب الحسي ، وأن ما يحصل له من ذلك أمر مختص به لا يشركه فيه غيره ، فإذا أمسك عن الطعام والشراب فله عوض عنه يقوم مقامه وينوب منابه ويغني عنه كما قيل :
لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الشراب وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضئ به ومن حديثك في أعقابها حادي
إذا اشتكت من كلال السير أوعدها روح اللقاء فتحي عند ميعاد
وكلما كان وجود الشئ أنفع للعبد وهو إليه أحوج كان تألمه بفقده أشد ، وكلما كان عدمه أنفع كان تألمه بوجوده أشد ، ولا شيء على الإطلاق أنفع للعبد من إقباله على الله ، واشتغاله بذكره وتنعمه بحبه ، وإيثاره لمرضاته . بل لا حياة ولا نعيم ولا سرور ولا بهجة إلا بذلك .
فعدمه ألم شيء له وأشد عذابا عليه ، وإنما تغيب الروح عن شهود هذا الألم والعذاب لا اشتغالها بغيره واستغراقها في ذلك الغير فتغيب به عن شهود ما هي فيه من ألم العقوبة بفراق أحب شيء إليها وأنفعه لها .
وهذا بمنزلة السكران المستغرق في سكره الذى احترقت داره وأمواله وأهله وأولاده وهو لاستغراقه في السكر لا يشعر بألم ذلك الفوات وحسرته .
حتى إذا صحا وكشف عنه غطاء السكر وانتبه من رقدة الخمر فهو اعلم بحاله حيئنذ ، وهكذا الحال سواء عند كشف الغطاء ومعاينة طلائع الآخرة والإشراف على مفارقة الدنيا والانتقال منها إلى الله .
بل الألم والحسرة والعذاب هناك أشد بأضعاف أضعاف ذلك ، فإن المصاب في الدنيا يرجو جبر مصيبته في الدنيا بالعوض ويعلم أنه قد أصيب بشيء زائل لا بقاء له ، فكيف بمن مصيبته بما لا عوض عنه ولا بدل منه ولا نسبة بينه وبين الدنيا جميعها .
فلو قضى الله سبحانه بالموت من هذه الحسرة والألم لكان العبد جديرا به ، وأن الموت ليعد أكبر أمنيته وأكبر حسراته هذا لو كان الألم على مجرد الفوات .
كيف وهناك من العذاب على الروح والبدن أمور أخرى مما لا يقدر قدره ؟
فتبارك من حمل هذا الخلق الضعيف هذين الأليمين العظيمين اللذين لا تحملهما الجبال الرواسي . فاعرض على نفسك الآن أعظم محبوب لك في الدنيا ، بحيث لا تطيب لك الحياة إلا معه فأصبحت وقد أخذ منك وحيل بينك وبينه أحوج ما كنت اليه ، كيف يكون حالك هذا ومنه كل عوض ؟ فكيف بمن لا عوض عنه ؟ كما قيل :
وما ضرني إتلاف عمري كله إذا لمراضي الله أصبحت حائزا
وفي الأثر الإلهي : « ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب ، وتكفلت برزقك فلا تتعب ، ابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء » . انتهى كلامه رحمه الله .
شعرا : كل له مطلب يسعى ليدركه مستحسنا للذي يرضى ويهواه
وذو الديانة يسعى دائما أبدا فيما يرى أنه يرضى به الله
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ولا تجعل علمنا وبالا علينا . اللهم قوى معرفتنا بك وبأسمائك وصفاتك ونور بصائرنا ومتعنا بإسماعنا وأبصارنا وقواتنا يا رب العالمين . واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين . وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
لا شيء على الإطلاق أنفع للعبد من إقباله على الله
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع