مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


{يحذر المنافقون أن تنزل عليهم}

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


30/06/2023 القراءات: 307  


قال أبو جعفر: ومن النحويين من قرب من السلاطين فحظي عندهم، منهم علي بن حمزة قال يونس بن حبيب: أقام الكسائي بالبصرة عشرين سنة ثم رحل إلى الكوفة، فأخذ عن أعراب ليسوا بفصحاء فأفسد الحق بالباطل، فقد صار النحو كله من البصرة؛ لأن الكسائي منهم تعلم، ثم قرأ على الأخفش كتاب سيبويه، ويحكى أنه دفع إليه مائة دينار.
قال أبو جعفر:
وليس أحد من الرؤساء المتقدمين في النحو إلا بصري، حتى إنهم حجج في اللغة يؤخذ عنهم لفصاحتهم، وكانوا لا يأخذون إلا عن الفصحاء من الأعراب، ولهم السبق والتقديم، منهم أبو الأسود وأبو عمرو، وسمعت علي بن سليمان يقول: ساءني أن خلفا البزار على جلالته ومحله ترك الكسائي، وهو أستاذه فلم يرو عنه حرفا واحدا، مع حاجته إليه في تصنيفه كتاب القراءات.
قال أبو جعفر: ثم عرفني غير أبي الحسن أنه إنما ترك الرواية عنه لأنه سمعه يقول: قال لي سيدي الرشيد، فتركه وقال: إن إنسانا مقدار الدنيا عنده أن يجعل من أجلها هذا الإجلال، لحري أن لا يؤخذ عنه شيء من العلم، قال أبو جعفر: وقد كان الأصمعي متصلا بالرشيد وكان يقدمه ويتكلم في مجلسه، وقد ذكر أبو جعفر القاسم بن مخيمرة أنه قال: النحو أوله شغل، وآخره بغي، ورد أبو جعفر على ذلك، وسيق في فصول السلام والكلام في الكتابة، ويأتي بعد نصف كراسة أيضا.
وذكر أبو جعفر في باب الاصطلاح المحدث الذي استعماله خطأ قال: واستعملوا يفعل ذلك بغير لام الأمر، وهذا من الخطأ القبيح الذي يقلب معه المعنى فيصير خبرا، والمراد الأمر، وإن جزم أيضا فخطأ؛ لأن الأمر لا يكون بغير لام إلا في شذوذ واضطرار، على أنه حكي عن علي بن سليمان أنه لا يجوز عنده ولا عند أصحابه حذف اللام من الأمر للغائب؛ لأن الحروف لا تضمر؛ ولأن عوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء، وأن ما أنشد فيه من الشعر ليس بحجة؛ لأنه لا يعرف قائله، وهو:
محمد تفد نفسك كل نفس
كذا قال وقد قال الله تعالى: {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم} [التوبة: 64] .
قيل هو خبر من الله عن حالهم وقال الزجاج: إنه أمر من الله لهم
بالحذر، فتقديره ليحذر المنافقون قال ابن الأنباري: والعرب ربما أخرجت الأمر على لفظ الخبر فيقولون: يرحم الله المؤمن ويعذب الكافر، يريدون ليرحم ويعذب فيسقطون اللام ويجرونه مجرى الخبر في الرفع، وهم لا ينوون إلا الدعاء، والدعاء مضارع للأمر. وأما الجزم بلام مقدرة فيجوز كثيرا مطردا بعد أمر كقوله تعالى {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} [إبراهيم: 31] .
والأشهر أنه جواب قل، والتقدير: قل لهم أقيموا الصلاة يقيموا، أي إن تقل لهم يقيموا. ورده قوم بأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم لا يوجب أن يقيموا، واختار ابن مالك هذا الرد، ولم يره أبو البقاء؛ لأنه لم يرد بالعباد الكفار، بل المؤمنين، يدل عليه قوله {لعبادي الذين آمنوا} [إبراهيم: 31] وإذا أمرهم الرسول قاموا.
وقيل: يقيموا جواب أقيموا المحذوفة أي: أن يقيموا، يقيموا ورد بوجوب مخالفة جواب الشرط له في الفعل والفاعل أو فيهما، فلا يجوز قم تقم، وبأن المقدر للمواجهة ويقيموا على لفظ الغيبة، وهو خطأ إذا كان الفاعل واحدا، ويجوز الجزم فاللام الأمر مقدرة قليلا بعد قول بلا أمر، ذكره ابن مالك، ولا يجوز الجزم بها بلا أمر ولا قول ولا ضرورة، والله أعلم.
وإنما ذكرت ذلك لكثرة كتابة " يعتمد ذلك " ونحوها وكثرة من لا يعرف إلا إنكاره فينكره، ويوافقه عليه من لا يعلم، والله سبحانه أعلم.


{يحذر المنافقون أن تنزل عليهم}


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع