رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (200)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
11/07/2024 القراءات: 570
-خيركم بعد المئتين الخفيف الحاذ:
سُئل السيوطي: حديث: "خيركم بعد المئتين الخفيف الحاذ" هل هو صحيح، وقيل: إنه "الحال" باللام في آخره، وقال آخر: إنه "الجاد" بالجيم والدال المهملة، وقال آخر: إنه منسوخ بحديث: "تناكحوا تناسلوا" فهل ما قالوه صحيح أم لا؟
فقال في الجواب:
"هذا الحديث أخرجه أبو يعلى في "مسنده" من حديث حذيفة بن اليمان بلفظ: خيركم في المئتين كل خفيف الحاذ. قيل: يا رسول الله ومن خفيف الحاذ؟ قال: من لا أهل له ولا مال. وفي إسناده داود بن الجراح، قال فيه أحمد: لا بأس به، إلا أنه حدث عن سفيان بمناكير، وقال الدارقطني: متروك، وقال النسائي: روى غير حديث منكر، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقال أبو حاتم: محله الصدق، تغير حفظه، قال الذهبي في "الميزان": وهذا الحديث مما غلط فيه، فإن أبا حاتم قال فيه: إنه منكر لا يشبه حديث الثقات، قال: وإنما كان بدء هذا الخبر فيما ذكر لي أن رجلًا جاء إلى رواد فذكر له هذا الحديث فاستحسنه وكتبه، ثم حدث به بعدُ يظن أنه من سماعه. انتهى.
وروى الترمذي من حديث أبي أمامة: إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من الصلاة.
وأما الحاذ فهو بالحاء المهملة والذال المعجمة الخفيفة، ومن قال: إنه باللام أو بالجيم والدال المهملة، فقد صحف، قال ابن الأثير في "النهاية" في حرف الحاء المهملة في فصل حوذ: وأصل الحاذ طريقة المتن، وهو ما يقع عليه اللبد من ظهر الفرس. أي خفيف الظهر من العيال، والحاذ والحال واحد، وكذا قال الديلمي في "مسند الفردوس"، وزاد: ضربه النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا لقلة ماله وعياله، وفي الصحاح: حاذ متنه وحال متنه واحد، وهو موضع اللبد من ظهر الفرس، وفي الحديث: مؤمن خفيف الحاذ. أي خفيف الظهر. انتهى.
وأمّا من قال: إنه منسوخ، فلم يصب، لما تقرر في علم الأصول أن النسخ خاص بالطلب ولا يدخل الخبر، وهذا خبر كما ترى، ثم إنه لا منافاة بينه وبين حديث: تناكحوا تناسلوا، حتى يحتاج إلى دعوى النسخ لأن الأمر بالنكاح ليس عامًّا لكل أحد، بل بشروط مخصوصة، كما تقرر في علم الفقه، فيُحمل هذا الحديث على من ليست فيه الشروط وخشي من النكاح التوريط في أمور يخشى منها على دينه بسبب طلب المعيشة، وبذلك يحصل الجمع بين الحديثين، ولا نسخ، فدعوى النسخ في الخبر جهل بقواعد الأصول". الحاوي للفتاوي (1/ 438-439).
***
-ختام المئة الثانية في "المجموعة النفيسة":
جرى شيخنا الشيخ عبدالكريم الدبان التكريتي رحمه الله في مجموعته النفيسة -وهي تضم ألف مادة- على أن يجعل ختام كل مئةٍ عشرة أبيات مفردة، وقال في المرقم (200):
- أرى الذكرَ بعد المال يخلدُ باقيًا ... ولم أر ذكرًا صالحًا لبخيلِ
- كأنْ لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامرُ
- ما مرّ بي يومٌ ولا ليلةٌ ... إلا إليك تجدّدتْ أشواقي
- أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة ... فتخاءُ تنفر من صفير الصافرِ
- إنما الموت حياةٌ لامرئٍ ... حظُّه ينقص والهمُّ يزيد
- إنَّ الرياح إذا عصفن رأيتَها ...تُولي الأذيةَ شامخَ الأغصانِ
- إذا أبقت الدنيا على المرء دينَه ... فما فاته منها فليس بضائرِ
- ولا عجبٌ إنْ غيّر الدهرُ صاحبًا ... فكلُّ تصاريف الزمان عجائبُ
- دع الناسَ طُرًّا واصرف الود عنهمُ ... إذا كنتُ في أخلاقهم لا تسامحُ
- أصبحتُ لا يحمل بعضي بعضا ... كأنما كان شبابي قرضا
- تَبًّا لهم جمعوا مالًا وغالهمُ ... عنه الحِمامُ فما فازوا بما جمعوا
***
-انكشاف تصحيف بعد المئتين:
«قال عبدالرحمن البسطامي: أول مَنْ تكلم في التصحيف: الإمام علي كرم الله وجهه، ومن كلامه في ذلك: خراب البصرة بالريح، بالراء، والحاء المهملتين، بينهما آخر الحروف.
قال الحافظ الذهبي: ما عُلم تصحيف هذه الكلمة إلا بعد المئتين من الهجرة، يعني: خراب البصرة بالزنج، بالزاي، والنون، والجيم.
وللإمام في هذا العلم صنائع بديعة».
***
-مئتا مصدر فقهي في كتاب:
لسراج الدين ابن الملقن الشافعي (ت: 804): "جمع الجوامع في الفروع"، وهو قريبٌ من مئة مجلد. جمعَ فيه كما قال، بين كلام الرافعي في شرحيه ومحرره، والنووي في شرحه للمهذب، ومنهاجه، وروضته، وابن الرفعة في كفايته، ومطلبه، والقمولي في بحره، وجواهره، وغير ذلك مما أهملوه وأغفلوه. ومما وقف عليه من التصانيف في المذهب نحو المئتين.
***
-وفاة معروف الكرخي:
توفي الزاهد الكبير معروف الكرخي في بغداد سنة (200)، وكان ابن الجوزي البغدادي (المتوفى سنة 597) يرددُ -كما في كتابه «المدهش» (ص: 399)، و"اللطف"-:
«كم حول "معروفٍ" مِن دفينٍ ذهبَ اسمُهُ كما بليَ رسمُهُ و"معروفٌ" معروفٌ!
فما كل دار أقفرتْ دارة الحمى … ولا كل بيضاء الترائب زينبُ».
وقد خصه بكتابه باسم "مناقب معروف الكرخي وأخباره" طبع مرتين، وتحت يدي طبعة عبدالله الجبوري في بيروت، وقد جاءت سطورٌ في غير موضعها، وأبين ذلك لينتبه القارئ:
جاء في (ص: 192-193) ستة سطور هي: "كأنه تحت العرش ... سمعت محمد عبدالله البجلي".
وموضع هذه السطور بعد جملة "سمعتُ حسنًا الأنصاري يقول: رأيت معروفًا الكرخي في النوم" التي جاءت في السطر (16) من الصفحة (191).
وقبر معروف ما زال معروفًا في بغداد إلى اليوم.
***
-تحريف في عنوان كتاب "المئتين":
جاء في كتاب "البدور السافرة في أحوال الآخرة" للسيوطي (ص: 615) من طبعة دار الكتب العلمية: "وفي الماشين للصابوني".
والصواب: "وفي المئتين للصابوني".
وهو كتاب حديثي يرويه الحافظ ابن حجر، وغيره، قال في "المعجم المفهرس" (ص347): «كتاب المئتين لأبي عثمان الصابوني.
قرأتُ النصف الأول منه على أبي العباس أحمد بن الحسن المقدسي.
والنصف الثاني منه على أبي المعالي عبدالله بن عمر بن علي الأزهري، بسماعهما على أبي العباس أحمد بن كشتغدي، أنبأنا أبو حامد بن علي بن محمود ابن الصابوني، أنبأنا أبو القاسم عبدالصمد بن محمد الحرستاني، أنبأنا أبو عبدالله محمد بن الفضل الفراوي في كتابه...
والكتابُ المذكورُ يشتملُ على مئتي حديث، ومئتي حكاية، ومئتي قطعة شعر".
***
منوعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة