مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


لا تكن من الأذلُّين الأخسرين

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


10/09/2023 القراءات: 1161  


لا تكن من الأذلُّين الأخسرين
من أطلق بصره في سورة المسد يجد كثيراً من الرسائل والفوائد والبصائر التي تبني الإيمان في القلوب، وتعمق اليقين بالله سبحانه وتعالى، وتدك حصون الغرور والكبر في النفوس.
هذه السورة جاءت في ذم أبي لهب وزوجه أم جميل، وهما اللذان نصَّبا نفسيهما لمعاداة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته؛ فنزل القرآن الكريم ذامّاً لهما، ومخبِراً عن سوء عاقبتهما، فقَطَعَ ذَمُّ اللهِ تعالى لهما كل شرف لهما إلى يوم القيامة؛ فيا لخسارتهما!
وأي عبد أشقى من عبد ذمَّهُ ربُّه وفضحه عبر التاريخ في عاجلته قبل آجلته؟!
لذلك أخي الكريم: إياك أن تنصب نفسك معادياً للإسلام دون أن تشعر، وبأي طريقة أو وسيلة كانت، فهناك من يعادي الإسلام ويشن حرباً على بلاد المسلمين قتلاً وخراباً ودماراً، وهناك من يعادي ويشن حرباً فكرياً ضد الإسلام والمسلمين، سواء بتأليف كتاب، أو كتابة مقال، أو من خلال مسلسل تلفزيوني، أو من زاوية رسم كاريكاتيري، أو حتى بنكتة خبيثة، أو بعقد ندوة على وسائل التواصل الاجتماعي، والأنكى أن أكثر هؤلاء الأذلون والأخسرون هم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألستنا، لكن قلوبهم أمر من الصبر، يحقدون على كل ما هو إسلامي.
لقد حاولوا تدمير الإسلام في الحروب الصليبية الرهيبة؛ ففشلت جيوشهم التي هاجمت بلاد الإسلام بالملايين، فعادوا يخططون من جديد لينهضوا، ثم ليعودوا إلينا بجيوش حديثة، وفكر جديد، وهدفهم تدمير الإسلام من جديد.
كان جنديُّهم ينادي بأعلى صوته، حين كان يلبس بذة الحرب قَادِمًا لاستعمار بلاد الإسلام:
«أُمَّاهُ ...
أَتِمِّي صَلَاتَكِ .. لَا تَبْكِي ..
بَلْ اضْحَكِي وَتَأَمَّلِي ..
أَنَا ذَاهِبٌ إِلَى طَرَابُلْسَ ...
فَرَحًا مَسْرُورًا ..
سَأَبْذُلُ دَمِي فِي سَبِيلِ سَحْقِ الأُمَّةِ المَلْعُونَةِ ...
سَأُحَارِبُ الدِّيَانَةِ الإِسْلَامِيَّةِ ...
سَأُقَاتِلُ بِكُلِّ قُوَّتِي لِمَحْوِ القُرْآنِ .... » (القومية والغزو الفكري، محمد جلال كشك:208)
وانتصرت جيوش الحقد هذه على أُمَّةِ الإسلام التي قادها أسوأ قَادَةٍ عرفهم التاريخ، اضطهدوا أممهم حتى سحقوها.
وعندما تغلب الجنرال غورو الفرنسي على جيش مَيْسَلُونْ خارج دمشق؛ توجه فَوْرًا إلى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الأموي، وركله بقدمه وقال له: «هَا قَدْ عُدْنَا يَا صَلَاحَ الدِّينِ» (القومية والغزو الفكري:84).
ولم يخرج الاستعمار من بلاد المسلمين حتى زرعوا فيها زعماء هم كفلاء الاستعمار، ونصبوا بين المسلمين قادة هم وكلاء الاستعمار، وهؤلاء الكفلاء والوكلاء وجدوا لهم من يصفق لهم من نخب العار الذين ساندوا الاستبداد والطغاة والظلمة، وقاموا بتضليل الشعوب والعامة، هؤلاء نخب العار عبر التاريخ هم الذين وصفهم الباري سبحانه وتعالى بأنهم في الأذلّين.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} [المجادلة:20].
قال محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: "ومُفادُ حَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ أنَّهم كائِنُونَ في زُمْرَةِ القَوْمِ المَوْصُوفِينَ بِأنَّهم أذَلُّونَ، أيْ شَدِيدُو المَذَلَّةِ لِيَتَصَوَّرَهُمُ السّامِعُ في كُلِّ جَماعَةٍ يَرى أنَّهم أذَلُّونَ، فَيَكُونُ هَذا النَّظْمُ أبْلَغَ مِن أنْ يُقالَ: أُولَئِكَ هُمُ الأذَلُّونَ.".
فإياك إياك ومعاداة الدين إنه سبيل الهالكين الأخسرين الأذلين، أعداء الإنسانية والدين، {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} [هود:22]، ولَا جَرَمَ أي: حقاً.
واليوم أنى التفت وحيثما اتجهت إلى بلد من بلدان العالم الإسلامي وجدت جهات كثيرة تحارب الإسلام والمسلمين، وتحاول بكل ما أوتيت من قوة، وبكل ما تملك من طاقات ووسائل هدم أركانه، وزعزعة بنيانه، بل ربُّوا أفراخاً لهم في بلاد المسلمين، ورعوهم رعاية كاملة مدة من الزمن، ثم قذفوا بهم إلى بلاد المسلمين، وحينئذ قاموا بهذه المهمة، وصاروا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الأذلين الأخسرين.
ومن أشد هذه العداوات وأكثرها كيداً ودهاءً وخبثاً تحالف أعداء الإسلام مع المنافقين من أبناء جلدتنا، الذين يَتكلَّمُونَ بألْسنَتِنا، ولربما يدبجون خطبهم أو أحاديثهم أو يستفتحون كتبهم أو مؤلفاتهم أو مقالاتهم بالتعاطف مع الإسلام؛ ليلفوا الباطل بلفائف من الحقيقة، لكنها خدعة مكشوفة، إذ ليس في قُلوبِهم شَيءٌ مِن الخَيرِ، يَقولونَ بأفْواهِهم ما لَيس في قُلوبِهم، إنهم الذين يقولون ما لا يفعلون، ويخططون لتدمير هذا الدين وإبادة أهله، إنهم الأذلون الأخسرون.
إننا معشر المسلمين عزتنا في ديننا، ورفع رايتنا وهي راية التوحيد، وقد ورد في الأثر: "يا ابنَ عُمرَ دينُكَ دينُكَ، إنَّما هو لحمُكَ ودمُكَ".
وأخيراً: يا له من دين لو أن له رجالاً"، كلمة نطق بها المستشرق البريطاني الشهير، توماس أرنولد، وذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في (مفتاح دار السعادة) هذه العبارة فقال: "وكان بعض السلف يقول: يا له من دين لو أن له رجالاً".


الأذلُّين، الأخسرين، الغزو الفكري، أعداء الإسلام، الحروب الصليبية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع