مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين زينب بنت خزيمة (رضي الله عنها)(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


26/04/2023 القراءات: 333  


وانتظمت في سلك المجتمع الإسلامي المتميز، الذي بنى أول ما بنى على الأخوة في الله، وقد صادف ذلك انسجاماً مع طبيعة شخصيتها وتكونها. فأنساها ذلك بعض همومها من البعد عن الأهل والوطن.
وكانت مع زوجها عبيدة بن الحارث مثلاً طيباً وكريماً في أصول وقواعد البيت الإسلامي المنشود تعاوناً ومحبةً واحتراماً. وليس من شك في أن شخصية زينب (رضي الله عنها) كانت محور ذلك البيت الكريم، بما حباها الله تعالى من نضوج عقلي مبكر، وسماحة خلق، وبساطة في الحياة ورضى وقناعة.
يوم الفرقان
حتى كان اليوم العظيم يوم الفرقان يوم بدر،ولا حاجة بنا أن نعود إلى تفاصيل المقدمات والظروف التي سبقت ورافقت الغزوة. فالذي يهمنا في الحديث عن زينب (رضي الله عنها) هو استشهاد زوجها عبيدة في ذلك اليوم أو بعده بأيام ومن ثم ترملها… فقد كان ذلك نقطة تحول كبرى في حياتها، ودخولها (رضي الله عنها) في عداد أمهات المؤمنين.
من يبارز؟
كانت عادة الحروب في تلك الأيام أن تبدأ بالمبارزة الفردية، وكانت قريش في ذلك اليوم هي المصرة على القتال. فبعد أن حجز المسلمون الماء عن قريش وتصدوا لها وقبلوا التحدي، برز من صفوف قريش ثلاثة فرسان يطلبون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يُخرج إليهم أندادهم من المسلمين، فنزل بعض الأنصار إلى حلبة المبارزة حباً في الجهاد وإثباتاً للعهود والوعود التي قطعوها على أنفسهم، وتأكيداً للبيعة فردهم فرسان قريش، وقالوا إنما نريد أكفاءنا من أقربائنا الذين فارقوا ديننا وأثاروا العدواة والبغضاء بيننا وبينهم.
فبرز إليهم بناء على أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة من أهل بيته وخاصة أهله، هم: حمزة بن عبد المطلب عمه، وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث ابنا عمه.. وأما القرشيون الثلاثة فكانوا عتبة بن ربيعة وأخاه هشام بن ربيعة وابن عتبة الوليد بن عتبة. فتصاولوا وتجاولوا، وأثاروا تراب الأرض بحوافر خيولهم، حتى غطى النقع أشخاصهم، ثم ما لبث حمزة أن قضى على خصمه، وكذلك علي (رضي الله عنهما)، أما عبيدة فقد تعرض لضربة من الخصم أصابته في ساقه وأدت إلى جرح بالغ، لكن حمزة وعلياً أعانا عبيدة على خصمه واستنقذاه، وقتلا عدوه، ثم عادا بعبيدة إلى معسكر المسلمين، يئن من شدة الألم ونزف الدماء. وانتهت معركة بدر بانتصار ظافر مؤزر للمسلمين، وهزيمة ساحقة لحقت بالمشركين… وعاد موكب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة بين تهليل وتكبير وفرحة غامرة، وعاشت المدينة أياماً جميلة وكأنها في عرس وبهاء. إلا بيت زينب بنت خزيمة (رضي الله عنها) فقد كانت في هم شديد وحزن بالغ على زوجها وحبيبها الجريح المسجى على الفراش، يعاني سكرات الموت. الحبيب الذي قضت معه أجمل أيام حياتها وأطيب زمان المشاركة، فقد راحت ترعاه وتعتني به، وتقدم له كل ما يمكنها من إسعاف، برجاء أن يشفى وتعود إليه عافيته ،وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعض أصحابه يزورونه في البيت ليطمئنوا عليه ويواسوه في محنة مرضه، ويشجعونه، ويبعثون في نفسه وقلبه الأمل والرجاء. لكن عبيدة قضى شهيداً، واختاره الله إلى جواره، فبكته زينب بدمع وحزن بالغ، متذكرة أيام صحبته وهنائها معه. ثم احتسبته عند الله تعالى داعية له بحسن الثواب.
الزواج وأم المؤمنين
بعد استشهاد عبيدة سعى (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى زينب وقد انقضت عدتها فخطبها لنفسه، فأجابت على استحياء، وقد جالت الدموع في عينيها لأن ذكرى عبيدة ما تزال قريبة العهد. أجابت (رضي الله عنها) بأن جعلت أمرها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فبنى بها، وأدخلها بيوت أزواجه، واتخذ لها حجرة خاصة بها.
أم المساكين
وظلت زينب (رضي الله عنها) تلقب بـ«أم المساكين» منذ أن كانت فتاة صغيرة، إلى أن لحقت بالرفيق الأعلى، وكانت مدة إقامتها في بيت النبوة قصيرة، لم تتجاوز بضعة أشهر. إلا أن حجرتها كانت مقصد المساكين والفقراء والمحتاجين والجائعين والمحرومين، تقتصد من نفقتها، وتدخر جزءاً من طعامها ونصيبها فيما خصت به، ثم تمنحه لهذه الطائفة من الناس، حباً بالله وتقرباً إليه، وسعياً إلى رضاه.
الوفاة
كانت (رضي الله عنها) قد أتمت الثلاثين من عمرها، حين داهمها مرض الوفاة، في عز الشباب، ومعية الصبا. ولقد كان يوم وفاتها يوماً حزيناً، إذ تركت رغم قصر مدة العشرة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أطيب الأثر وأعمقه في قلب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم). فقد مرت أيام العشرة هنية طيبة، لا صخب فيها ولا نصب ولا وصب، ولا مشقة ولا عسر. غُسّلت (رضي الله عنها) وكفنت، وصلى عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم دفنت بالبقيع، ولقد نزل إلى حفرتها اثنان من أقربائها. وبعد أن ووريت الثرى عاد الجميع وفي مقدمتهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسترجعون ويدعون لأم المساكين بحسن المآب وعظيم الثواب. رضي الله عنها وأكرم نزلها ومثواها…


سلسلة أمهات المؤمنين زينب بنت خزيمة (رضي الله عنها)(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع